الأربعاء 2 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 4 ديسمبر 2024 م
التفرق طبيعي.. ولكن!!
الأربعاء 2 صفر 1438 هـ الموافق 2 نوفمبر 2016 م
عدد الزيارات : 2806

 

التفرق طبيعي.. ولكن!!


مجلة (نور الشام) طرحت القضية على الدكتور معن بن عبد القادر كوسا، الأمين العام لهيئة الشام الإسلامية، وسألته في البداية: هل تأخرت كيانات الثورة في التوحد؟ يقول مجيباً: "بالنظر إلى المشاهد المأساوية التي تفوق كل وصف، والتي تعيشها أكثر مناطق سوريا يوميا، فإن كل سوري مكلوم يشعر أن التوحد قد تأخر.

لكن بالنظر إلى سنن الله في الآفاق وفي الأنفس، وإلى الظروف الصعبة التي تحيط بالثورة قد لا يبدو هذا التأخر مستغربا.

فالثوار جزء من شعب عاش طيلة عمره في نظام شمولي ظالم مستبد، سلبه كثيرا من سلوكيات ومظاهر المجتمعات الصحية في نشأتها، وأورثه الشك والريبة في كل ما حوله، ومن كان هذا حاله يحتاج إلى زمن ليألف التعامل مع الآخرين، ويعتاد على قواعد العمل المشترك ويكتسب مهاراته.

فإذا أضفت إلى هذا الظروف القاسية التي يعيشها الثوار من الحصار، والمتابعة، وصعوبة التواصل، وقيود التنقل، والانشغال بأعمال ثورية عديدة فرضتها كثرة الاحتياجات وعظم حجم المأساة وقلة الكوادر، فمتى يتاح لهؤلاء أن يؤسسوا لأرضية ناجحة للوحدة.

ومع كل هذا فإن الشعب لم يترك لإرادته، بل التدخلات قائمة على قدم وساق من أطراف إقليمية ودولية، تفرق ما اجتمع، وتهدم ما بُني، كل يعمل لمصلحته، ويريد أن يحتفظ بأوراقه في الساحة، والثوار عموما جديدون على الساحة السياسية، ليس لهم فيها رصيد تجربة وخبرة، وفوق هذا حضور الغلاة في المشهد بكل آثاره وتبعاته المُرّة.

كل هذه الظروف وغيرها تجعل الإنسان يتفهم لماذا تأخر التوحد". لكنه يستدرك قائلا: "وهذا طبعا ليس عذرا لأحد بالقعود عن واجب السعي إلى التوحد، بل يجب السعي إليه والعمل عليه حتى يأذن الله به". 

إذن كيف نتوحد؟ وما التحديات التي تقف أمام الكيانات الثورية في سبيل اتحادها؟ يقول الدكتور معن كوسا: "يجب بداية أن نحدد أسباب التفرق ومن ثم نبحث في كيفية تخطي هذه المعوقات"، ويوضح: "إذا أردنا أن نحدد أسباب التفرق، فمن المفيد هنا أن ألخص مرئيات ستين ناشطا في الثورة، من شرعيين وميدانيين وسياسيين وإعلاميين ومجالس محلية ضمتهم ورشة عمل نظمها مركز الحوار السوري ضمن أعمال الندوة التشاورية الخامسة في شهر 11/2015، أي قبل أقل من عام.

بحثت الورشة في أسباب التفرق الحاصل على الساحة الثورية، والتحديات أمام وحدة الكلمة والوصول إلى قيادة عامة موحدة.

وقد ذُكرت سبعة أسباب رئيسة لهذا الوضع القائم، كما خرجت الورشة بحزمة من الحلول والمقترحات لمعالجة هذه الأسباب". أسباب داخلية وخارجية: ويسرد الأمين العام لهيئة الشام الإسلامية الأسباب السبعة التي تمخضت عنها ورشة العمل مع مقترحات علاجها قائلا: "تمثل السبب الأول في التنافس الفصائلي وحب الزعامة والمحافظة على مكاسب الفصيل، ورأى المشاركون أن معالجة هذا الأمر يكون بالسير قدماً بمشروع واضح من خلال عدد من المكونات، والبقية سيلتحقون بها لاحقاً عند رؤيتهم للنجاحات.

وتشكيل حاضنة ورأي عام شعبي وإعلامي ضاغط باتجاه القيادة الموحدة.

كما يمكن معالجة هذا السبب بتكثيف التواصل واللقاءات الحوارية بين القيادات، إضافة إلى إطلاق جملة من المعالجات تبدأ من المناصحة وتصل إلى الضغط ثم التشهير، وإطلاق مشروعات لإعداد قادة وساسة مؤهلين للمناصب القيادية".

ويواصل الدكتور معن قائلا: "السبب الثاني تمثل في غياب الثقة وانتشار ثقافة التخوين، وجاءت مقترحات علاجه بتأسيس مؤسسة مستقلة (هيئة رقابة وتفتيش) تعمل على التحقيق في التهم وحل المشكلات، وبناء جهاز إعلامي موحد للثورة ينشر الأخبار الموثوقة ويرد على التخوينات والشائعات، كما يمكن علاجه بإعداد ميثاق شرف إعلامي للنشر وتداول الأخبار، وتقديم دراسات حول ظاهرة فقدان الثقة والاتهام والتخوين، وكذلك تعزيز ثقافة الشفافية والوضوح مع القواعد والتعامل مع الشائعات بشكل صحيح، وبذل المزيد من جهود التقارب والتواصل والحوار بين مختلف المكونات لبناء جسور الثقة".

"ورأى المشاركون أن التنازعات الفكرية والمنهجية أسهمت بشكل كبير في حدوث ما نراه من فرقة تصل إلى المواجهات المسلحة أحيانا، وعلاج ذلك يتم –بحسبهم- بمراجعة كل فصيل وتيار للخطابات الفكرية والتربوية الداخلية السابقة، والعمل على برامج تربوية وإعلامية حول أدب الخلاف وفقه الائتلاف والتعامل مع المخالف، إضافة إلى تطوير أداء المجلس الإسلامي السوري وتعزيز دوره المرجعي، والاعتراف بوجود التباينات المنهجية، والتوافق بين الفصائل والكيانات على كيفية التعاطي معها".

"أما السبب الرابع فهو تدخلات الداعمين، ويمكن معالجة هذه المعضلة بوضع صندوق موحد للدعم تحت إشراف مجلس معتبر يقوم بتزكية الكيانات، والاعتماد على الموارد الذاتية والداخلية قدر المستطاع، وتغيير المنظور في التعامل مع الداعم من جهة خيرية إلى جهة لها مصالحها عندنا، وإرسال تطمينات للدول التي تهمها مصالح معينة مع الثورة". "خامس هذه الأسباب هو مهاترات بعض السياسيين وبحثهم عن مصالحهم، ولإنهاء هذا الموضوع يجب العمل على تأسيس مرحلة جديدة من العمل السياسي يقوم على الاحترافية والمؤسساتية الحزبية، والعمل على وجود تمثيل للكيانات في القيادة الموحدة، وكذلك العمل على تقوية شخصيات ورموز سياسية موثوقة ودعمها، مع بناء الكوادر السياسية وتأهيلها وتطويرها".
ويضيف الأمين العام لهيئة الشام الإسلامية: "أما السبب السادس فهو التدخلات الدولية، ورأى المشاركون أن معالجة أثر هذه التدخلات في تفريق الكيانات الثورية تتم بالتعامل مع الدول الداعمة باعتبارها بوابة الثورة للعلاقات في العالم الخارجي، وتقديم شخصيات مقبولة لكل جهة عند التعامل مع الدول، وكذلك فتح قنوات للتعامل مع المجتمع الدولي من خلال منظمات المجتمع المدني، وعدم قصر العلاقة مع الجهات السياسية، إضافة إلى بذل جهود علمية مكثفة تعمل على إعداد دراسات حول التدخلات الدولية ومصالح الدول، وكيفية التعامل معها".

ويختم الدكتور معن كوسا حديثه قائلا: "السبب السابع والأخير هو غياب شخصية القائد الرمز الذي يمكن أن تؤيده كتلة كبيرة، وعلاج هذا الغياب يتم بالدفع باتجاه القيادة الجماعية المؤسسية من خلال أنظمة، والعمل على صناعة القيادات واكتشافها وإبرازها، مع القبول بأفضل الخيارات المتاحة من القادة ودعمه ومؤازرته، والعمل على تعزيز الثقة بالرموز والقيادات".

ويعود هنا الدكتور خير الله طالب ليعلق على موضوع (القيادة) قائلا:
"حينما نتحدث عن أملنا في وجود قيادة تجمعنا أتذكر الكتائب التي نشأت وأصبح عددها بالآلاف من المقاتلين، هل قال هؤلاء القادة أنا القائد.. ؟! هل قيل له أنت القائد..؟! عملياً: بادر، فاجتمع معه واحد واثنان وثلاثة، أربعة، خمسة، ستة فأصبح قائداً، فما الذي جعله يقود؟! (عمله -  تضحيته - مبادرته - مسابقته)، فأصبح قائداً تلقائياً، دون أن يفرض نفسه ودون أن يفرضه الناس الذين هم بطانته أو جماعته أو فصيله. لذلك؛ فإن الثورة السورية ستُنشئ قائدها بشكل تلقائي إذا مشت في الطريق الصحيح وسلكت أسلوب التصحيح المستمر في داخل النفوس، وفي داخل الجماعات والمجموعات، والمؤسسات، والفصائل، والكيانات والمجالس الإسلامية والسياسية و الثورية..

علينا أن ندرك أيضاً حكمة الله عز وجل التي تجعلنا ندرك أن القيادة بإذن الله تعني النصر، والنصر كرامة الله، فالقيادة كرامة الله عز وجل وإذنه للمجتمع الذي أخذ بالأسباب وأراد له الله عز وجل أن ينتصر.

نحن أحياناً نتذكر أن أشد الناس بلاءً الأنبياء، فنعطي أنفسنا نوعا من الزُّهو والعُجْب كأننا مُصطَفين. ننسى "بما كسبت أيديكم"، وننسى "قل هو من عند أنفسكم"؛ لذلك فإن القيادة تأتي حينما تصح النفوس، ويتماسك المجتمع، وتُرسم الأهداف، ونستمر بالعمل، ونُراجع التربية".