الأربعاء 15 شوّال 1445 هـ الموافق 24 أبريل 2024 م
سلمان الفارسي (الباحث عن السعادة )
الاثنين 1 رمضان 1437 هـ الموافق 6 يونيو 2016 م
عدد الزيارات :

 

سلمان الفارسي  (الباحث عن السعادة )


هناك في صحراء العرب، حيث الشّمس المحرقةُ ، وعلى قمّةِ إحدى أشجار النّخيل في يثرب ، كان سلمان الفارسيّ يعمل عبداً عند يهوديٍّ من يهودِ المدينة، عندما سمع رجلاً يتحدث مع سيده عن رجلٍ قدم للتّو من مكّة يقول أنّه رسولٌ من الله . عندها سرت رعشةٌ قويةٌ في جسده ، فنزل مسرعاً من أعلى النّخلة ليسألَ ذلك الرجل عن أمر هذا الرجل –النبيّ- .
وقبل أن نكمل قصّة سلمان سنعود بالزّمن إلى الوراء لنتعرّف على تاريخ سلمان وعن سبب اهتمامه بأمر النّبيّ ..
ولد سلمان الفارسيّ في إحدى ضواحي أصفهان الفارسيّة . وقبل عشرين عاماً من تلك الحادثة التي ابتدأنا حديثنا بها قرّر سلمان أن يخرج من قريته لأوّل مرّة ، باحثاً عن الطّريق الصّحيح الموصل لعبادة الله سبحانه ،بعد أن أدرك أنّ –دين المجوسيّة – الذي كان عليه هو وأبوه وكامل قريته ليس هو الدّين الصحيح .
ثمّ قابل في طريقه بعض القسّيسين ،فاعتنق النصرانيّة ، وبقي على خدمة القسيس حتّى أشرف على الموت، فسأله سلمان : إلى من توصي بي ؟ فقال له القسيس : أي بنيّ ، والله لا أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه ، لقد هلك النّاس وبدّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه ،إلا رجلاً في الموصل فالحق به .. ثمّ مات الأسقف .
وهكذا أخذ سلمان يتنقّل في هذه الأرض كلما صاحب قسيساً وأشرف على الموت سأله:إلى من توصي بي ؟ وكان هؤلاء القساوسة هم الوحيدين على وجه الأرض الذين كانوا يتبعون الدّين الصحيح في ذاك الزمن .
إلى أن وُجِّه أخيراً إلى قسيسٍ يسكن في عموريّة، فلما حضرته الوفاة ،قال له قسيسُ عمورية : أي بنيّ ، والله ما أعلمه أصبح على ما كنّا عليه أحدٌ من النّاس آمرك أن تأتيه ، ولكنّه أظَلّ زمانُ نبيٍّ هو مبعوث بدين إبراهيم ، يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرضٍ بين حرتين ( أي مجموعة من الجبال ) بينهما نخلٌ به علاماتٌ لا تخفى على أحد : يأكل الهديّة ، ولا يأكل الصّدقة ، وبين كتفيه خاتم النبوّة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل .
فمرّ تجارٌ من قبيلةٍ عربيّةٍ ، فعرض عليهم سلمان أن يوصلوه مقابل أن يأخذوا كل ما يملك فقبل التّجار عرضه ، وما إن وصلوا إلى الصحراء حتّى باعه أولئك الخونة إلى رجلٍ يهوديّ لينقله إلى مدينة اسمها يثرب ..
ونعود إلى ما بدأنا به عندما سمع سلمان خبر النّبي صلى الله عليه و سلم وهو في أعلى النخلة .. أسرع سلمان إلى النّبيّ صلى الله عليه و سلم ،وأخذ معه تمراً صدقةً ليتثبّت من العلامات التي ذكرها له صاحب عمورية  ، فرفض صلى الله عليه وسلم ، وعاده بتمرٍ فقال له هدية فأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ يحاول أن ينظر إلى ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأدرك الرسول صلى الله عليه وسلم ما يريد فكشف عن منكبيه ،فرأى سلمان خاتم النبوّة ، فأخذ يعانق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي ، والرسول صلى الله عليه وسلم يهدئ من روعه ، وقصّ حكايته كاملةً على  الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة .
تلك هي حكاية سلمان الفارسي –رضي الله عنه – التي قضاها مسافراً بين أقطار الأرض شرقاً وغرباً باحثاً عن طريق الله أو لنقل باحثاً عن السعادة.