في جعبتي حكاية
بعد أن نزلَ آدمُ إلى الأرضِ كما ذكرتُ لكم في حكايةِ العددِ السّابقِ، ونزلت معه حواءُ أيضاً،تمنيا من الله أن يرزقَهُما أولاداَ وذريةً يمشونَ على هذه ِالأرضِ ،و يسعونَ لإعمارِ هذا المكانِ الجديدِ، وبإذنِ اللهِ وفضلهِ رُزقا بولدين اسمياهما قابيل و هابيل .
وشبَّ الأًخوةُ في رعايةِ الأبوينِ وكبِروا، ورأوا أن الحياةَ تحتاجُ إلى عملٍ وجدٍّ وسعيٍ.
يجبُ على قابيل وهابيلَ أن يبحثَ كُلٌّ منهما عن الرِّزقِ ، فأصبحَ الأوّلُ مزارِعاً وأصبحَ الثّاني راعياً.
ولمَّا كبرَ كلٌّ من قابيلَ وهابيلَ شبَّ بينهما صِراعٌ كما قد يحدث أحياناً بين الأخوةِ .
ولكنّ هذا الخلافَ دام طويلًا ووقع الأبُ آدمَ عليه السلامُ في حيرةٍ وخوفٍ ماذا يفعلُ ؟
لا يريدُ لهذهِ الأسرةَ إلا السّعادةَ . مرتِ الأيّامُ وسيّدنا آدمُ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ يفكّرُ في حلٍّ، وهداهُ اللهُ أخيراً إلى حلٍّ عادلٍ بين الأخوينِ المتنازعينِ، وهو أن يقدمَ كُلُّ أخٍ قرباناً هديةً إلى الله .
لكنّ قابيلَ رفضَ هذا الحلَّ أولاً، ثم أطاعَ أباهُ و قدّمَ من زراعتِهِ بعضَ الحبوبِ.
أما هابيلُ فقد حرصَ على اختيارِ أفضلِ ما عندهُ من الحيواناتِ التي يرعاها لأنّ هذا قربانٌ لله و يجبُ أن يكونَ طيّبًا.
وبقي الاثنانِ ينتظرانِ النتيجةَ، ممّن سيقبلُ اللهُ يا ترى ؟ هل سيقبلُ الحبوبَ من قابيلَ أم سيقبلُ ما تقدّمَ به هابيلُ ؟
كلٌّ يدعوا اللهَ أن يقبَلَ منهُ وكلٌّ يرجوا أن يظفرَ بالقبولِ منَ الله
وتقبّلَ اللهُ قربانَ هابيلَ لأنّهُ كان مُوَفّقاً أكثرَ من أخيهِ، فهو التّقي الذي لم يعترض على اقتراحِ الأبِ .فغضبَ الأخُ الآخرُ .
و وصل به غضبه أن توعد أخاه وقالَ له : لأقتلنّك!
أخذ هابيل يهدئه ويُبيِّنُ لهُ أنّ اللهَ قد تقبّلَ منهُ بسببِ التّقوى والصّدق مع اللهِ وأنَّ اللهَ لا يتقبلُ إلا من المتّقينَ الصّالحينَ ولكنّ هذا النُّصحَ لم ينفع .
واستمرَّ قابيلُ في الكرهِ والحقدِ، واضمرَ لأخيهِ الشَّرَّ ، و في ساعةٍ من السّاعاتِ أقدمَ على عمليتهِ الدّنيئةِ، وضربَ أخاهُ ضربةً قاتلةً، فوقعَ هابيلُ صريعاً على الأرضِ دونَ حراكٍ.
ماتَ هابيلُ شهيداً لأنّه أرادَ أن ينصحَ أخاهُ ويَدُلّهُ على الحقِّ لأنّهُ أرادَ أن يقدِّمَ الحَقَّ لأخيهِ
هُو أوّلُ شهيدٍ على الأرضِ وهو الذي رفضَ أن يقتلَ أخاهُ، وبيّنَ لهُ أنّهُ مهما كانت نيّتُهُ شريرةً فلن يقابلَ أخاهُ بالشّرِّ .
لم يتركَ اللهُ هذا الحادِثَ دونَ رعايةٍ، فهذِهِ الحادثةُ أوّلُ درسٍ للبشرِ لذلكَ يجبُ أن يعرِفَ كلُّ البشرِ أنَّ اللهَ لا يتقبلُ إلّا منَ المتّقينَ وأنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عن نصحِ أخيهِ الإنسان وعليه أن يصبرَ على أذى الآخرينَ، وأن يضحي بروحهِ في سيبلِ هدايةِ كُلِّ كافرٍ ابتعدَ عن طريقِ الحقِّ.
قابيلُ رأى جثّةَ أخيهِ هابيل ممددةً على الأرضِ دونَ حراكٍ ،ضلَّ حائراً لا يعرفُ ماذا يفعلُ، وشاءَ اللهُ أن يحفظَ هذهِ الجثّةَ الطَّاهرةَ الكريمةَ، فبعثَ غرابينِ اثنينِ اقتتلا أمامَ قابيل وقتلَ أحدهُما الآخرَ ثُمَّ حفرَ لهُ حفرةً في التُّرابِ ودفَنَ جُثّتَهُ وسطَ التُّرابِ.
وقعَ كُلُّ هذا أمامَ نظرِ قابيلَ فأزداد ندماً وحسرةً ، وصاحَ: يا ويلتاه أعجزتُ أن أكونَ مثل هذا الغرابِ !
ولكن، لم ينفعهُ النّدَمُ، وصارَ صوتُهُ مخنوقاً وفؤادُهُ مُعذّباً ونفسُهُ مضطربةً.
وهذه الحكايةُ في القرآنِ الكريم ِأحلى بكثيرٍ ممّا رويته لكم ، تعالوا معي أيضاً نتلوا هذه القصّةَ ابحثوا عنها في سورةِ المائدةِ.
والآن يا أحبائي ما العبرةُ التي يمكنُ أن نستخلِصَها من هذهِ القِصّةِ؟؟