في جعبتي حكاية
نبيّ الله نوح عليه السّلام
تكاثر النّاس على الأرض التي نزل عليها آدم وزوجه، ومضى عليهم زمنٌ طويلٌ، هذا الزّمنُ الطّويلُ جعلهم يبتعدون عن الله؛ فقد نسوا بأنّ الله هو الذي يستحقُّ العبوديةَ وحدهُ، وازداد جهلهم، وضلّوا ضلالاً بعيداً، وأخذوا يعبدون أصناماً آلهة ًمن دون الله ،وجعلوا لهذه الأصنام أسماءً تثير العجبَ، فهذا الصنم اسمه ودّ وهذا سواع وذلك يغوث والرابع يعوق والخامس نسر، هكذا على حسب مزاجهم وجهلهم وهواهم، وعبدوا هذه الأصنام وهذه الحجارة دون تفكير.
ومن رحمة الله يا أحبائي أنه لا ينسى أحداً من عباده، ولا ينسى أن يرسلَ لعبادِه الضّالّين رسلاً وأنبياء يعلّمونهم ويهدونهم إلى طريق الحقّ وإلى الصّراطِ المستقيمِ .
فكان الرّسول الذي بعثه الله لعبدةِ الأصنام هؤلاء، رجلاً من قومهم اسمه نوح-عليه السّلام-
ونوحٌ الذي أرسله الله له عقلٌ راجحٌ، و يمتاز بخلقٍ عظيمٍ، فكّر بعقلِهِ وأدركَ بأنّ الصّنم حجرٌ لا يبصرُ ولا يسمعُ ولا يضرُّ ولا ينفعُ؛ فلا يجوز أن نعبده أبداً، وإنه لمنَ الغباء أن نعبدَ حجراً نصنعُهُ بأيدينا ونقول عنه أنّه هو الإله الذي يجب أن يعبد.
نوحٌ –عليه السّلام -كان يعبدُ الله وحده، وأمره الله تعالى أن يدعو قومه إلى عبادة الله وحدهُ، هذه هي دعوتُهُ، طريقٌ صحيحٌ يخرجهُم من الظّلماتِ إلى النّور، فالله وحده هو الذي خلقَ السّماوات والأرض، وهو الذي خلقنا لكي نعبده ولا نشرك به أحداً من الآلهة التي نخترعها.
قال لهم .. يا قوم اعبدوا الله"، تكلّم معهم بلغتهم، وقال أيضا:" مالكم من إله غيره" أي غير الله، وطلب منهم أن يتركوا عبادة الأوثان، وبيّن لهم أن الذي لا يؤمن بالله سيعذّبه الله يوم الحساب. ماذا كان جواب قومه الكافرين؟ قالوا لنوح عليه السّلام: أنت بشرٌ مثلنا ،ولو أرادَ الله أن يبعثَ رسولاً لبعث إلينا ملكاً من ملائِكتِهِ. حزن نوح على كفرهم وضلالهم وأعاد عليهم كلامه الجميل ودعاهم في اللّيل والنّهار، ودعاهم في كل يومٍ، وطالت فترة الدّعوة، ولم يؤمن مع نوح إلا القليلُ من الفقراءِ والعبيدِ. وقال الكافرون لنوح عليه السّلام: انظر يا نوح، انظر من الذي آمن معك، هم الفقراءُ والعبيدُ وأصحابُ الرّزقِ القليل، إنهم لا يملكون المالَ ولا الثروة الكبيرة، فإذا أردتنا أن نؤمن معك إلى الدّين الذي تدعونا إليه فأبعد هؤلاء الفقراء، إنهم لا يملكون المال ولا يملكون العقل الرّاجح الذي نملكه نحن الأغنياء. قال لهم: يا قوم، ارجعوا إلى عقولكم وفكّروا بها، ودعوتي ليست خاصّة بالأغنياء والكبراء من القوم . إن دعوتي لكلّ إنسانٍ، لكم جميعاً. واشتدّ الخلافُ والجدال، وطالب قوم نوح نوحاً عليه السلام بأن يأتيهم بالعذاب وبما يعدهم. " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين".
وقضى نوح ألف عام إلا خمسين عاماً في دعوتهم. في النهاية أوحى الله إلى نوحٍ: " إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن". وهنا حق العذاب على الكافرين. وأُمر سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام أن يصنع سفينة كبيرة يركب فيها هو والمؤمنون ،ويحمل من جميع المخلوقات الحيّة من كلٍّ زوجين اثنين،لأن الله سوف يرسل ماءً غزيراً على هيئة طوفان يغرق به الكافرون وينجو منه المؤمنون والحيوانات التي يحملها نوح عليه السّلام معه من الغرق.
وبدأ نوح عليه السّلام يصنع السّفينة، وقومه يسخرون منه ،لأنه لم يكن في منطقتهم بحرٌ تمشي فيه السفينة ،وبعد أن انتهى، بدأ المطر ينزل فركب نوح مع المؤمنين، واستجاب نوح لأمر الله، وملأ السّفينة بما يجب أن يملأها، وعلت السفينة رويداً رويداً فوق الماء، وأخذ المطر ينهمر بغزارةٍ شديدةٍ، لم ينقطع، وسارت السّفينة فوق موجٍ كبيرٍ من المياه. أخذ الموج يبتلع الكفّار واحداً واحداً، ويغرقهم، بينما السّفينة التي تحمل المؤمنين تعلو وتعلو وتعلو، ولمح نوحٌ ولده من بعيد-و ولد نوح لم يؤمن- .ناداه نوح: يا ولدي ،آمن بالله، واركب معنا قبل أن يبتلعك الماء وتموت فتذهب إلى الناّر. لم يسمع الولد نصيحة أبيه، ولم يقبل الحقّ، واستغاث نوح بالله عز وجل وقال: يا رب إن ابني من أهلي ،وقد وعدت ووعدك الحقّ أنك تنجيني ومن آمن من أهلي، فأجابه الله: يا نوح إنّه ليس من أهلك، لقد كفر و الكافر ليس من أهلك؛ فأهلك فقط هم الذين آمنوا بك واستجابوا لدعوتك، وإنني لا أنصر إلا المؤمنين. يا نوح لن ينجو إلا من قد آمن.
ولو سألتكم يا أحبائي عن النهاية؛ ستقولون حقّاً لقد غرق الكافرون ومعهم ابن نوح، أما المؤمنون فقد نجوا من الغرق.
وإننا نحن جميعاً يا أحبائي لا نحبّ للنّاس إلا الهداية، وتربطنا مع المؤمنين أجمعين رابطة العقيدة والأخوة في الدين.