الجمعة 19 رمضان 1445 هـ الموافق 29 مارس 2024 م
أمينُ الأُمّة
الأحد 11 جمادى الآخر 1437 هـ الموافق 20 مارس 2016 م
عدد الزيارات :

 

أمينُ الأُمّة
( إنَّ لكلِّ أمّةٍ أميناً وأمينُ هذه الأمّةِ أبو عبيدةَ بن الجرّاح )
                                                                          رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ
حديثنا اليومَ عن الأمينِ ( أبو عبيدة بن الجراح ) هامةٌ شامخةٌ ناطحتِ السّحابَ بسموِّها وعظمتِها ..
هذا الرّجلُ العظيمُ لا يتّسع المقال لسردِ بطولاتِهِ وعظمتِهِ فهيَ أعظمُ بكثيرٍ من أن يخطَّها قلمٌ ، وسأحكي لكم يا أصدقائي أبطالَ المستقبلِ موقفينِ اثنين من حياةِ هذا العملاقِ .
أمّا الموقفُ الأوّلُ : فهو موقفٌ صعبٌ جداً واجهَ أبا عبيدةَ في معركةِ بدرٍ قلّما يحدُثُ مِثلهُ في التّاريخِ

ففي يومِ بدرٍ رأى أبو عبيدةَ رجلاً من المشركينَ في جيشِ قريش يحاولُ مبارزتهُ ، فحاولَ أبو عبيدةَ جاهداً أن يتجنّبَ قتالَ ذلكَ الرّجلِ ، إلّا أن ذلك الرّجلَ أخذَ يتتبعُ أبا عبيدةَ في كل مكانٍ يريد قتاله ، وفي لحظةٍ من اللّحظاتِ النّادرةِ في تاريخِ البشريّةِ، كان الاثنان مواجهَ بعضهما البعض . أبو عبيدةَ من جيشِ المسلمينَ يواجِهُ والدهُ من جيشِ المشركينَ !!
فأنزلَ الله سبحانهُ وتعالى هذه الآية : (( لا تجدُ قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ يوادّونَ من حادَّ اللهَ ورسولَهُ ولو كانوا آباءَهُم أو أبناءَهُم أو إخوانَهُم أو عشيرَتَهُم أولئك كتبَ في قلوبهِمُ الإيمانَ وأيّدَهُم بروحٍ منه ويُدخِلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزبُ الله ألا إنّ حزبَ اللهِ هم المفلحون ))
فقتلَ أبو عبيدةَ أباهُ ، أو قل قتلَ أبو عبيدةَ الكفرَ في أبيهِ ، فقد كانَ أمامَ خيارينِ اثنينِ لا ثالثَ لهما ، الإسلام أو الأهل..

أما الموقفُ الثّاني :لأبي عبيدةَ فهو بعدَ انتصارِ المسلمينَ في  معركةِ اليرموكِ التي كانَ أبو عبيدةَ فيها  القائدَ الأعلى للقواتِ الإسلاميةِ فانتصرَ المسلمونَ تحت إمرتِهِ على نصفِ مليونٍ من الرّومِ ، وبعدها انتشرَ الطّاعونُ في أراضي الشّامِ انتشارَ النّارِ في الهشيمِ، فأرادَ الخليفةُ عمر أن ينقذَ أبا عبيدةَ من الموتِ المحقّقِ، فكتب إليه عمر يقولُ : ((إنه قد عرضَت لي حاجةٌ ، ولا غنى لي عنكَ فيها فعجّل إليّ ))
ففهم أبو عبيدةَ مقصدهُ فكتبَ لهُ : (( إنّي قد عرفتُ حاجتك فحلّلني من عزيمتكَ فإنّي في جندٍ من أجنادِ المسلمينَ لا أرغبُ بنفسي عنهم )).
وفعلاً ما هِيَ إلا أيامٌ وانتشرَ الطّاعونُ في جسدِ الأمينِ .
فاستشهدَ أبو عبيدةَ بعد أن حملَ رايةَ لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ اللهِ إلى مدنِ الشّامِ وقراها ، فلا يسبحُ للهِ شيخٌ في دمشقَ ، ولا يخرجُ عالمٌ من حماه ، ولا يرفعُ الأذانُ فوقَ مآذنِ الأقصى ، إلا وكانَ لأبي عبيدةَ بن الجراحِ مثلُ أجرهِم لا ينقصُ من أجورِهم شيءٌ .
ونختم حديثنا عن هذا البطلِ النّادرِ بمقولةِ عمرَ بن الخطّابِ  رضي الله عنه : (( أتمنى لو أنّ هذهِ الدّارَ مملوءةٌ فرساناً كأبي عبيدة )).