الخميس 10 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 12 ديسمبر 2024 م
التّاجرُ المسلم عبدُ الرحمنِ بن عوف "رضيَ الله عنه "
الأحد 11 جمادى الآخر 1437 هـ الموافق 20 مارس 2016 م
عدد الزيارات :

 

التّاجرُ المسلم عبدُ الرحمنِ بن عوف "رضيَ الله عنه "


لقد وصلَ بنا الحديثُ إلى عظيمٍ آخرَ من عظماءِ تاريخنا الإسلاميّ المشرِق .. هو ثامنُ من أسلَمَ، وأحدُ العشرةِ المبشرينَ بالجنّةِ ، وإنه الصّحابيّ الجليلُ عبدَ الرحمنِ بن عوفٍ الزّهري رضيَ الله عنه .هاجرَ عبدُ الرحمنِ بن عوفٍ معَ المسلمينَ هجرةَ الحبشةِ الأولى ، ثم هاجر إلى المدينة ، تاركاً منزلَهُ وأموالَهُ وأرضهُ وبلدهُ ، فاراً بشيءٍ واحدٍ فقط  ألا وهوَ كلمةُ التّوحيدِ التي كانت أغلى عندهُ مِن كلِّ ما يملك ، فالإنسانُ المؤمنُ الواثقُ بربّهِ وبأنَّ الله سيكون معه عَوناً وسَنداً أينما ذهب ، يعلمُ يقيناً أنَّ الله سيُيَسِّر لهُ كُلَّ عسيرٍ طالما أنّهُ هاجرَ من بلادِهِ مكرهاً ليستطيعَ عبادةَ اللهِ وحده دون أن يضيِّقَ عليه المشركون .ومن أبرزِ ما ميّزَ عبدَ الرحمنِ بن عوفٍ رضيَ الله عنهُ ،أنّهُ كان تاجراً ماهراً ، وكانَ عفيفَ النّفسِ عزيزاً ، لا يحبُ أن يكونَ عبئاً على أحدٍ ، فبعدَ أن هاجرَ إلى المدينةِ ،آخى رسولُ الله صلى الله عليهِ وسلّمَ بينه وبين سعدِ بن الرّبيعِ  رضي الله عنه ، فعرضَ عليهِ اقتسامَ أموالِهِ فرفضَ ودعا له بالبركةِ فيها، ثمَّ قالَ : دلّوني على السوقِ ، فما عادَ إلا ومعهُ سمنٌ وأقطٌ قد أفضله_يعني زاد معه وربحه _ (و الأقطُ نوعٌ من طعامِ أهلِ الباديةِ ).لم يقف عبدُ الرّحمنِ بن عوف ،باكياً حزيناً على ما تركَ من المالِ والوطنِ ، ولم يجلس ينتظرُ معجزةً من عند الله تزهِقُ أرواحَ المشركينَ ليعودَ إلى ديارهِ ، ولم يرضَ أن يأخذَ من أموالِ سعد بن الربيع شيئاً ، وإنّما بدأَ بالتّجارةِ من أوّلِ يومٍ ، حتى نمت تجارتُهُ وازدهرت بشكلٍ كبيرٍ . فأصبحَ رضيَ الله عنهُ من أثرياءِ المسلمينَ ، حتّى قالَ المؤرِّخونَ : ((كان تاجراً مجدوداً في التّجارةِ وكسبَ مالاً كثيراً ، وخلّفَ ألفَ بعيرٍ ،وثلاثةَ آلافِ شاة ، ومائةَ فرسٍ )) .
قدّمَ من ماله هذا لنصرةِ  دينِ اللهِ ونبيّهِ الشّيءَ الكثيرَ. فهو التّاجرُ النّاجحُ أكثرَ ما يكونُ النّجاحُ وأوفاهُ ، وهو الثّريُّ أكثرَ ما يكونُ الثّراءُ وفرةً ، وهو المؤمنُ الذي يأبى أن يذهبَ حظّهُ من دينهِ وأن يتخلّفَ به ثراؤهُ عن قافلةِ الإسلامِ ومثوبةِ الجنّةِ .لما حضرت الوفاةُ عبدَ الرّحمنِ بن عوف رضي الله عنهُ ، بكى بكاءً شديداً فسُئِلَ عن بكائِهِ فقالَ : (( إنّ مصعبَ بن عميرٍ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ خيراً منِّي ، توفّيَ على عهدِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ، ولم يكن له ما يُكَفّنُ فيه، وإنّ حمزةَ بنَ عبدِ المطّلِبِ رضيَ الله عنهُ، كانَ خيراً مني ، لم نجد له كَفَنَاً . وإنّني لأخشى الله أن أكونَ ممَّن عُجِّلَت له طيّباتُهُ في حياتهِ الدّنيا ، وأخشى أن أحتبسَ عن أصحابي بكثرةِ مالي )
فماتَ وهو ابن خمسٍ وسبعين سنةً ودفنَ في البقيعِ رضيَ الله عنهُ .