في جعبتي حكاية
سوفَ أَحكِي لكمُ اليومَ قصّةَ زوجةِ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ هاجرَ وولدِها إِسماعيل _عليهم السلام_
بَدأ نَبيُّ اللهِ إبراهيمَ يَشعرُ بالخوفِ على زوجتِهِ هاجرَ وولدِها الصّغيرِ إسماعيل،مِنَ الأخطارِ الّتي كانت تُحيطُ بِهِم أثناء دعوَتِهِ لقَومِهِ . قرّر أن يُهاجِر بِهما إلى مَكانٍ بعيدٍ حتى يُبعدهُما عن الخطرِ، فَبَقُوا يَسيرونَ سَيراً طويلاً في الصّحراءِ ، حتّى وَضَعَهُما عِندَ البيتِ الحرام ٍقريباً من زمزمَ الآن في مكةَ ، ويومئذٍ كانت مكةُ خاليةً مقفرةً ليسَ فيها أَحدٌ ، لا زرعٌ ولا شجرٌ ولا بشرٌ .
ولمّا أن وَضَعَها هُناك واستدارَ عائداً ، إذ بِهاجَرَ تَشعُرُ بِالوَحشة والضِّيقِ فتلحقُ بِه وتقولُ لَه : يا إبراهيمُ أينَ تذهبُ وتترُكُنا في هذا الوادي الذي لا إنسَ فِيه ولا شيء ! وهو يُكمِلُ سَيرهُ دونَ أن يَلتفت أو يردَّ، والحُزنُ والأَسى يملآن قَلبَه على تركِه زوجته وابنه في مكانٍ كهذا !و تُكرِّرُ ذلك مِراراً حتى قالت له بقلبِ المرأةِ المؤمنةِ الواثقةِ مِن ربِّها سُبحانه : آلله أمَرَكَ بِهذا ؟ فقالَ لها : نَعم .قالت : إذاً لا يُضيِّعُنا الله ، ثمَّ رَجَعَت .
وأَكمَلَ إبراهيمُ سيرَهُ حتّى إذا وَصَلَ لمكانٍ لا يرونَهُ فيهِ وقفَ وصلّى رِكعتينِ لله ثُمَّ أَخَذَ يدعو الله سُبحانَه وتَعالى كما وَرَدَ في القُرآنِ : (( رَبِّ إنيِّ أسكنتُ مِن ذُرّيَتي بوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحرِّمِ ربّنا لِيقيموا الصّلاةَ فاجعل أَفئِدةً من النّاسِ تهوي إليهِم وارزقهُم مِنَ الثّمراتِ لَعَلّهُم يشكُرُون)).
وأخَذَت هَاجَرُ عليها السّلامُ تُرضِعُ وُلَدَها وتَشرَبُ ، حتّى نَفِذَ الماءُ لديها ، وعَطِشَت وعَطِشَ طِفلُها الصّغيرُ في ذلكَ المكانِ الخالي مِن كُلّ مظاهرِ الحياةِ .
بَدَأَ صَغِيرُها المِسكينُ يبكي عَطشاً ، وبدأَت تشعرُ بالدّمِ ينشفُ في عُروقِها ،فقامت مثقلةً حزينةً وصوتُ ولدِها الباكي يرِنّ في أُذُنَيها ويكوي قلبها ألماً ، تبحثُ عن الماءِ لها ولِرضِيِعها فوجدت مكاناً مرتفعاً وهو جَبَلُ الصّفا فاتجهت إليهِ تنظرُ هل ترى أحداً فلم تر أحداً فعادت ونَزلت ووَصَلت إلى المروة فنظرت فلم تجِد أحداً وبقيَت تجري مابَينَ الصّفا والمروة سَبع المرّات ( وَمِن هُنا جَاءَ السّعيُ بَينَ الصّفا والمروة سَبعَ مَرّاتٍ للحاجِّ والمُعتَمِرِ ) وعندَما أتَمّت السّبع مرات سعياً ما بينهما ،تارةً تسِيرُ بِبُطءٍ مُنهَكَةً ،وتَارةً أُخرى تَستَجمِعُ قُواها وتُهروِلُ إذا بِها تَسمَعُ صَوتاً ، إِذ سمعت صوتاً فالتفتت،فإذا هو مَلَكٌ ضرب الأرض بجناحه فخَرَجَ الماءُ فَجَاءَت مُسرِعَةً مُستبشرةً تُحاوِلُ
جَمعَ هذا المَاءِ خوفاً عليه مِنَ الضّياعٍ ، وكأَنها عَادَت للحياةِ بَعدَ أن شَارَفَت على الهَلاكِ هي وصغيرُها، فَشَربت وأَشربت رضيعَها حتى ارتوت وارتوى ،فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ : (( لا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِيه هَذَا الْغُلامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهْلَهُ)).
فَحَمِدَت اللهَ سُبحانهُ وتعالى ، على الماءِ وعلى هذهِ البُشرى السّارةِ التي جاءتها معَ المَلَكِ .
ولمّا كانَ الماءُ مِن أهمِّ أسبابِ الحياةِ ، فإنّ المكانَ الذي يوجدُ فيه الماءُ يهويِ إليهِ النّاسُ ويرغبونَ فيه ، مرَّ قومٌ بِأمِّ إسماعيلَ فاستأذنوها بأن يُقيموا معها ،فأذِنت لّهُم، لأنها كانت تُحِبُّ الأُنس وتُفضِّله على الوِحدةِ والوِحشة .
ولمّا كَبر إسماعيلُ وصارَ شاباً يافعاً تزوجَ فتاةً من هؤلاءِ القومِ وماتت أَمّه .
وعادَ نبيّ الله إبراهيمُ يبحث عن زوجِهِ وطِفلِهِ الذي تَركه رضيعاً هنا ، فلمّا التقيا حَضَنَ إبراهيمُ وَلدهُ سعيداً برؤيته بعدَ طولِ غِيابٍ ، فسعدَ بِه إسماعيلُ ، فقالَ له إبراهيمُ : يا إسماعيلُ إنّ الله قد أمرني بأمرٍ ، فقالَ إسماعيل : اصنع ما أمَرَكَ رَبّك .
قالَ : وتعينُني ، قالَ : أُعينك .
قالَ إبراهيمُ : إنّ اللهَ أَمَرَني أن أبني بيتاً هنا .فقاما معاً يَرفَعانِ القواعِدَ،ويَضعان الأساس لهذا البناءِ العظيمِ الذي سيكونُ قبلةً للنّاسِ فيما بعد ، وأخذَ إسماعيلُ يأتي بالحجارةِ وإبراهيمُ يبني ، حتى ارتفع البنيانُ ، وهما يقولانِ : ( ربّنا تَقبّل منّا إنكَ أنتَ السّميعُ العليم) .
فأرسى إبراهيمُ وولدهُ إسماعيلُ عليهما السّلام. قواعدَ الكعبةِ الشّريفةِ التي يحجُّ إليها اليومَ جميعُ المُسلمينَ ، يطوفونَ حولَ الكعبةِ كما فعلَ إبراهيمُ عليه السَّلامُ ، ويسعونَ مابين الصّفا والمروة ، كما فعلت هاجرُ عليها السّلامُ ، وكلُّ هذا طاعةً للهِ سبحانهُ ، وتقرّباً مِنه وعِبادةً له.