يقولون: اسكتوا عن أخطائهم واقبلوا ظلمهم واستبدادهم لأنهم مجاهدون. ونحن نقول: الجهاد خيرٌ يُشكَر صاحبه في الدنيا ويؤجَر في الآخرة إذا أخلص النيّة، ولكنه لا يسوّغ الظلم ولا يبرر الاستبداد. حتى نظام الأسد الذي ثرنا عليه: أما كان فيه شيء من خير؟ أم كان شراً محضاً لا خيرَ فيه؟ لنتحدث قليلاً عن مزايا نظام الأسد.
كانت سوريا مثلاً ونموذجاً في الأمن المجتمعي، فقد عاش الناس مطمئنين على ممتلكاتهم وأولادهم وأعراضهم، ولم تعرف سوريا الأوبئةَ التي عرفتها غيرُها من البلدان، كخطف الأطفال والسطو المتكرر على الأموال والأعراض.
كان الأطفال الصغار يمشون من بيوتهم إلى مدارسهم في الصباح الباكر ويخرجون في آخر الليل لشراء حاجات البيت من الجوار فلا يخاف أبٌ على ولده ولا أم على بنتها، وتمشي المرأة في الطريق آمنةً في كل وقت، وربما رجعت إلى بيتها بعد نصف الليل بساعتين ولا تخشى على نفسها ولا يتعرض لها أحد بسوء. وكانت الحياة ميسورة حتى لأفقر الناس، فالخدمات متوفرة والضرائب قليلة والمنتجات المحلية رخيصة يستطيع شراءها كلُّ إنسان، بما فيها الغذاء والدواء والكساء والوقود، وإن تفاوتت حصصُ الناس منها بين السّغَب والكفاف والإسراف.
لكن ذلك كله لم يشفع للنظام المجرم ولم يمنع أحرارَ سوريا من الثورة عليه، لأنه آذى الناس في أنفسهم وأرواحهم وصادر أغلى ممتلكاتهم: الحرية والكرامة وإنسانية الإنسان. إن الحر يحتمل قرص الجوع وألم المرض وبرد الشتاء ولا يصبر على الظلم والاستبداد والطغيان.
* * *
نعم، عاش الناس آمنين، إلا أنه أمانٌ كأمان البهائم التي تعيش في حدائق الحيوانات، وحصلوا على الغذاء والدواء كما يحصل عليهما الحيوان في القفص، ولكنهم لم يجرؤوا على التعبير عن أنفسهم أو التصريح بأفكارهم أو ممارسة عبادتهم، ولا جَرُؤوا على الاقتراب من الكيان المقدس، النظام الحاكم. كان عليهم أن يبقوا إلى الأبد عبيداً وهو المالك المتنفذ الذي يوزع على الناس حظوظهم: الحياة أو الموت، والحرية أو الاعتقال، والأمان أو الخوف، والسعادة أو الشقاء.
هذه هي الحياة التي توفّرها داعش اليوم للسكان في المناطق التي احتلتها في سوريا والعراق، التي يريد أنصار داعش أن يقنعونا بأنها دار الإسلام وجنّة الله في الأرض، وهي الحياة التي تريد جبهة النصرة أن تفرضها على السوريين في الشمال المحرر. ونحن علينا أن نبلع ألسنتنا وأن ننثر الورودَ على المستبدّين لأنهم استبدوا بنا باسم الله وتحت راية الإسلام! ومتى أباح الله الظلم -وَيْحَكم- ومتى رضي الإسلام بالاستبداد؟
* * *
عندما تحدد السلطةُ لخطيب الجمعة موضوعَ خطبته وتُلزم المسلمات بألوان الثياب، وعندما تتجسس على اتصالات الناس ومنشوراتهم وتلاحقهم على ما يقولون وما يكتبون، وتعتقل مَن تشاء متى تشاء، وربما عُذِّب مِن المعتقَلين في معتقلاتها مَن عُذّب وقُتل منهم مَن قُتل تحت التعذيب، وعندما تصادر أموال الناس وممتلكات الناس بأوهى الذرائع وأسخف المبررات، ثم تصادر -فوقها- حق الناس في الاحتجاج والتعبير، فاعلموا أننا استنسخنا نظام الأسد باسم جديد ولون جديد.
إذا سكت الناس عن الاستبداد الجديد فليستعدّوا لدخول النفق المظلم الذي قدّموا أعظم التضحيات ليخرجوا منه، وما كادوا يخرجون، وليقل قائلهم لسامعهم: وداعاً للحرية والكرامة وإنسانية الإنسان، وعلى ثورة الشام السلام.