كثيراً ما تدّعي بعض الجماعات أو الأحزاب، الوسطية البعيدة عن الإفراط والتفريط فلا بد من توضيح بعض المفاهيم حول مفهوم الوسطيّة:
أولاً: أن الوسطيّة هي الحقُّ الذي قام عليه البرهان وثبت بالدليل وليست الوسطية الوقوف في المنتصف كإمساك العصى من الوسط وإن كان المنتصف أحياناً يوافق الصواب ولكن كثيراً ما يخالفه فمشكلة الجماعات الاسلامية أنهم يبحثون عن الوسطية بين مناهج الجماعات وليس عن الوسطية المستمدّة من النصوص الصحيحة والصريحة.
فمن هنا لا نسمي ضبابية المواقف والحيادية في صراع الحق والباطل والسكوت عن كلمة الحق وسطية بل إنه الخيانة بذاتها فلله در القائل ''الكلام عن التحذير من الإرجاء في ساحة راجت فيها بضاعة الغلو كالحديث عن الزنا في بلد تفشى فيه الربا وكلاهما خيانة لله ورسوله وللرسالة''.
ثانياً: يجب على الجماعات التي تتحدث عن الوسطية بين الغلو والإرجاء -وخاصةً التي تتخوف من العمل بالسياسة الشرعية خوفاً من الانزلاق للتمييع والإرجاء - أن تعلم أن الغلوّ والإرجاء لا يلتقيان في زمان واحد بحيث يكون كل واحد منهما خطر قائم بذاته بل يأتي أحدهما عقب الآخر وكثيراً ما يكون كردة فعل غير منضبطة فإن تعاور الغلو والارجاء على مزاج الامة كتعاقب الليل والنهار لا يجتمعان بحال والانتقال بينهما يشبه حالة انسلاخ النهار عن الليل.
ففي وقت الحروب وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية يقوم خطر الغلاة الخوارج وفي وقت السلم والتنافس للوصول إلى السلطة يأتي خطر المرجئة المميعين وتعمل الأنظمة المستبدة على تقوية هذا الفكر أو ذاك وخاصةً في زماننا الذي كثر عبث المخابرات العالمية على حسب حال عروش الطغاة فحين يستقر سلطانهم يستعينون بالمرجئة لتطويع الناس، وحين يهتز سلطانهم يستعينون بالغلاة لترهيب الناس، فكلاهما غدا ذراعا في يد السلطان السياسي يحركهما كيف يشاء، فنحن أمام ظاهرة غلو وإرجاء مختلفة تماما عن عما هو الحال في عصر السلف.
نحن أمام مرجئة وغلاة يمارسون الانحطاط الاخلاقي؛ بسبب الاختراق الأمني المخابراتي فيجب على أهل الحق أن يتصدوا لكل خطر واحد منهما في وقته وحينه.
وإنّنا نحن اليوم في ظل الثورة السورية والجهاد الشامي نرى أنّ الخطر القائم هو الغلو والغلاة.
والغلو ليس حكراً على جماعة معينة بل هو أمر نسبي يختلف بين جماعة وأخرى. ويتوجّبُ على أهل العلم والتّقى أن يصبوا اهتمامهم لمحاربة هذا الخطر القائم ويستعدّوا لمواجهة الخطر القادم. فالذّود عن المشروع الإسلامي لا يكون إلا بالتصدي لهذين الخطرين.
ويجب التنويه أن القضاء على الغلو قد يسقط الإرجاء، والعكس صحيح، ولكن القضاء على الاستبداد السياسي سيسقطهما معاً.