الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد توعَّدت قريش النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعد غزوة أحد بحشد الناس لاستئصال شأفتهم من المدينة، فبلغ ذلك المسلمين فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأُلقي الرعب في قلوب المشركين فرجعوا إلى مكة خائبين، وأنزل الله قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173-174].
وفي هذه الحادثة تتجلى قوة الإيمان، وصدق اليقين بالله، والاعتماد عليه، فعلى الرغم من إثخان الجراح، والنجاة من الموت في معركة أحد، وفقد أحبابهم وأعزائهم، استجابوا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى لقاء المشركين وقتالهم، ولعله صلى الله عليه وسلم أراد أن يقرّ في أذهانهم أن غزوة أحد تجربة وابتلاء، وأنه وإن كانت الكرة عليهم مرة، فلهم الكرات مرات أخر.
وقابل ذلك المسلمون بنفوس لا تعرف إلا الله وكيلاً، وترضى به وحده وتكتفي، وتزداد إيماناً به في ساعة الشدة، فانخلعت قلوبهم مما بيد الخلق، وانقطع طمعها أن يكون لهم شيء من الأمر، فقالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، أي هو الكافي لنا ما أهمنا، ونفوض إليه أمرنا، ونستعين به على أعدائنا، فكان جزاؤهم على ذلك: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ}، فنجوا، ونالوا رضوان الله.
ذكّرهم الله بسبب انتصارهم ونجاتهم: نعمة الله وفضله؛ لتبقى قلوبهم متوكلةً عليه، مفتقرةً إليه، تطلب النصر والتمكين منه، لا تركن إلى قوتها أو حيلتها مهما عظمت، ولا إلى ذكائها أو دهائها، ولا إلا سلاحها، وإلا فإنّ التخلي عنهم وإيكالهم لأنفسهم هو مصيرهم: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}.
مع إيجاب الأخذ بأسباب النصر من الاستعداد للقتال، وبذل الوسع في التخطيط للمعركة، وغيرها؛ كي لا يكون التوكل تواكلاً وإهمالاً.
ونظرًا لما يصيب المسلمين من قتل، وجراحات، وجوع، وخوف وآلام، وما قد يورثه ذلك من الفتور أو التقاعس، أو اليأس، فقد وُجه المسلمين إلى استحضار المآزق والصعاب التي يعيشها الأعداء؛ فإن هذا مما يقوي القلوب، ويشحذ العزيمة، ويكشف زيف تبجُّح الأعداء، وحقيقة أمورهم، فقال تعالى: { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 14]، ويكشف لهم جانبًا من حكمة تقدير الابتلاءات عليهم: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 140-142].
وما أحوج المسلمين في سورية إلى فقه هذه الآيات، واستحضارها، والعمل بها مع تكالب الأعداء من نصيريين، ورافضة، وروس، وشرق العالم وغربه بصورةٍ لا يكاد يوجد لها في التاريخ مثيل؛ كيدًا لأهل السنة وتآمرًا عليهم،،،
فاللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، وانصرنا عليهم.