الخميس 10 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 12 ديسمبر 2024 م
تكامل الجهود طريق الخلاص.
الجمعة 19 رجب 1436 هـ الموافق 8 مايو 2015 م
عدد الزيارات : 2869

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لكل ثورة هيئة سياسية تمثلها، أو تقودها، أو تمثلها، وتعبر عنها داخليًا وخارجيًا؛ من أجل إظهار قيمها ومبادئها، وحماية مكتسباتها، والدفاع عنها وعن القائمين عليها محليًا وعالميًا، وتبني نظامًا سياسيًا جديدًا بدل النظام الذي ثارت عليه ودمّرته؛ فتستقر الدولة، وتبدأ عجلة الإعمار والتنمية بالدوران.
هذا منطق الثورات جميعها، ولم تكن الثورة السورية لتشذ عن ذلك؛ فالقاعدة المعروفة في الحكم والسياسة: أن القوة العسكرية تُمهد وتزرع, لتأتي السياسة بعد ذلك لتحصد ما زرعته الحرب وتبني عليه, وأنه وبقدر ما تقوم القوة العسكرية بإضعاف قوة الخصم وإنهاكه, بقدر ما تكون ثمار المفاوضات السياسية بعد ذلك كثيرة وكبيرة .
وإذا كان المنطق العسكري يقتضي القضاء على العدو نهائيًا, وخاصةً إذا كثرت التضحيات والآلام، إلا أن حساب المصالح والمفاسد, واعتبارات المآلات والعواقب, قد يفرض على المقاتلين مراعاتها أحيانًا؛ حفاظًا على مكتسبات الحرب، وأمن وأمان البلاد والعباد، ودفع مضار ومفاسد أعظم.
لكن الواقع بعد أربع سنوات من الثورة، وآلاف التضحيات، أنَّ آلت الأمور إلى عدم وجود مثل هذه الهيئة السياسية، فعلى الرغم من وجود العديد من الكيانات السياسة إلا أنها لم تستطع تطوير بنيتها لتستوعب القوى الثورية الفاعلة، أو تعبر عنها بمشاريعها ومرئياتها، ولا القوى الثورية تمكنت من توحيد جهودها في إنشاء جسم سياسي يعبر عن قوى الثورة بشتى مجالات عملها (العسكرية، والخدمية، والمدنية...إلخ).
والثورة –وقد قطعت هذا الشوط من العمل والزمن- لا يمكن لها أن تستمر بهذا الانفصال والتشرذم، وإلا فإنها مهدَّدة بالضياع والتبعثر، أو مزيدٍ من التصدع والتشرذم.
ولا حلَّ لهذه القضية إلا برأب الصدع بين هذه القوى الثورية والسياسية، وما قد يتطلبه ذلك من إدخال إصلاحات وتغييرات على جميع هذه القوى، من النواحي البنيوية، أو الفكرية، أو غير ذلك.
ولا بد لجميع الأطراف أن تستشعر المسؤولية الملقاة على عاتقها، ودقة المرحلة التي تمر بها الثورة، وأن استمرار التفرق والتشرذم يضر بالثورة، وقد يودي بها، أو يسلم ثمرتها لأطراف أخرى.
وأنَّ إسقاط النظام، ورفع الظلم والقهر عن هذا الشعب المجاهد، ينبغي أن تكون الأهدافَ العظمى في هذه المرحلة، دون إخلال بغيرها من الأهداف والغايات، وأن يكون اجتماعهم على إغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج، وإنصاف المظلوم، والاجتماع على المشترك بين عامة الناس، بما لا يخالف هويتهم ودينهم، إلى أن يسقط هذا النظام المجرم.
نسأله سبحانه بمنه وكرمه أن يؤلف بين القلوب، ويجمع الجهود، وأن يعجل بالفرج والنصر، والحمد لله رب العالمين.