الأربعاء 2 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 4 ديسمبر 2024 م
مفهوم النصر
الخميس 18 رجب 1436 هـ الموافق 7 مايو 2015 م
عدد الزيارات : 3713

 

توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينتشر الإسلام في أصقاع الأرض ..
وتوفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يصل الإسلام في عهده إلى بلاد السند والهند، بل ولا إلى بلاد الترك والرومان، بل كان أعظم ما فعله هو تثبيت الإسلام في جزيرة العرب والقضاء على المرتدين .
وقل مثل ذلك في كثير من الخلفاء والقادة العظام الذين خلَّد التاريخ ذِكرَهم ولم تعفُ آثارُهم، وكان القاسم المشترك فيهم: أنهم جاهدوا في الله حق جهاده حتى أتاهم اليقين دون أن يروا ثمرة عملهم كاملة في حياتهم ..
ما أريد قوله: أنَّ خطاب اليأس الذي طغى مؤخرًا على النفوس إنما مرده إلى فهمنا الخاطئ لمفهوم النصر، واستعجالنا لقطف الثمرة، والنظر إلى الجراح والعقبات والأمراض دون ملاحظة المكاسب والثمرات ..

من حق السوريين أن يقولوا: تعبنا وهرمنا، وأن يعالجوا جراحهم، وأن يشكوا إلى الله جَلَدَ الفجار، وعجز الثقات، وتكالب الأمم عليهم، مع قلة الناصر والمعين، ولكن ليس من حقهم أن يتوقفوا أو ييأسوا من روح الله، فإن اليأس موتٌ، واليائس لا يرفع ظلمًا ولا ينكأ عدوًا ..
لو عاينتَ مرارات السجن وظلم المجرمين فيه ، ولم يغمض لك جفنٌ وأنت تسمع آهات المعذبين، ورأيت الأنفس الطاهرة تلفظ أنفاسها الأخيرة أمامك دون أن تملك لها إلا الدعاء بالشهادة والقبول؛ لنقمت حينها على كل حر طليق وهو قاعدٌ يائسٌ، ولرجوتَ أن ينقلب هؤلاء اليائسون جنودًا أشداءَ يقاتلون حتى لا يبقى على الأرض من الظالمين ديارًا .
ثورتنا ثورة عظيمة ، وبمقدار ما آلمتنا وأظهرت عوراتنا النفسية والاجتماعية والمنهجية فإنها أحيت فينا موات قلوبنا وعالجت فينا أمراضًا مزمنةً أكل الدهر عليها وشرب ..
وهي في الوقت ذاته آلمت أعداء الله ، وكشفت خططهم وأسقطت أقنعتهم، فلم يعد بإمكانهم خداعنا بعد اليوم مهما تلبسوا بلبوس الأصدقاء وذرفوا على أشلائنا دموع التماسيح ..
النصر ليس عبادةً في حد ذاته لن نأثم إن لم يتحقق في حياتنا، وأما مزاحمة الشر ومدافعة الباطل فهي عبادةٌ مقصودةٌ نأثم إن تركناها، وكذا نصرة الحق وأهله ، وجمع كلمة المسلمين والذود عن حياضهم حتى آخر لحظة في حياتنا ..
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].