الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
كيف ينظر المسلم إلى غير المسلم؟
السبت 19 ربيع الأول 1436 هـ الموافق 10 يناير 2015 م
عدد الزيارات : 4642

 

يظن فريق من المسلمين أن الإفراط في الدين يسيء إلى الدين، ويظن فريق آخر أن التفريط فيه هو الإساءة الكبرى إليه. وكلا الفريقين مصيبٌ فيما يظن، فإن التفريط في الدين شَرٌّ والإفراط فيه شَرّ، وكما قال الشاعر: “كِلا طرفَي قَصْدِ الأمور ذَميمُ”.

 

انتشرت في الآونة الأخيرة في بعض أوساط المسلمين ثقافةٌ غريبة تستند إلى مفهوم “التسامح الديني” وتبالغ فيه حتى تصل إلى عقيدة “وحدة الأديان”. يروّج هؤلاء القوم أن الإسلام والنصرانية والبوذية وغيرها من العقائد والأديان، أنها كلها طرق موصلة إلى الله، وأنّ المسلمَ غيرُ مسوَّغٍ له أن يجزم بأنه المهتدي من دون الآخرين وأن الآخرين على ضلال، لأن حساب الناس على رب الناس.

وهذا حق متلبس بباطل. فأمّا أن الحساب من اختصاص الله وحده فإنه من أصول اعتقاد أهل السنّة لقوله تعالى: {إنّما عليك البلاغُ وعلينا الحساب}، فحصرت الآيةُ مهمةَ النبي بدعوة الناس إلى الإسلام، وأوكلت إلى الله حسابَهم على ما يَدينون ويعتقدون. ومَن تألّى على الله (فأصدر الحكم القاطع على أفراد الناس نيابةً عن الله) وقع في كبيرة من الكبائر العظيمة التي يُخشَى أن لا تُجبَر ولا تُقال عثرتُه فيها؛ أخرج مسلم في الصحيح “أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: مَن ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك”.

وأما اعتبارُنا أنّ غيرَ المسلم ضالٌّ وأنه مجانبٌ لطريق الحق والهداية فإنه ثابت بصريح القرآن: {إنّ الدين عند الله الإسلام} {ومَن يبتغِ غيرَ الإسلام ديناً فلن يُقبَل منه}. وليس وراء هذا النص المُحكم مقال لقائل، فلا يكون المسلم مسلماً حتى يستقرّ في قلبه وفي عقله أنه على الحق المطلق، وأنّ مَن لم يكن مسلماً فهو كافر بالضرورة.

المسلم الواعي الذي فهم إسلامَه حقَّ الفهم يرى المسألةَ في هذا الإطار، فهو يعلم أن غير المسلم كافر، ولكنه يعلم أيضاً أن حساب الكفار على الله لا عليه، وأنه ليس مكلَّفاً بفرز الناس إلى جنة ونار. وهنا نأتي إلى المُفْرطين الذين لا يقلّون سوءاً عن المفرّطين، الذين يرَون الكفار أعداءً بالمطلق، يستحقون الكراهية والنبذ في مذهب المتساهلين المتخفّفين من أهل ذلك الفريق، والقتالَ والقتلَ في مذاهب الغلاة منهم والمتشددين.

*   *   *

كما يدرك المسلم الواعي العاقل أنّ مَن لم يؤمن بالإسلام فإنه كافر بلا مجاملة، فإنه يدرك أيضاً أن كل كافر هو “مادة خام” للدعوة، أو أنه “مشروع مسلم مؤجَّل”، فإنْ أحسنّا الدعوة إلى الله (وينبغي أن نفعل) فعسى أن يخرجه الله -برحمته أولاً وبدعوتنا ثانياً- من ظلام الكفر إلى نور الإيمان.

مَن كان يملك هذه الرؤية لا يمكن أن يدعو على الكفار بالنار والدمار، بل إنه سيدعو لهم بالهداية، وله أسوة في نبيّنا الكريم، الرحمة المهداة إلى البشرية جمعاء، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي تلقّى ذات يوم عرضاً سخياً بالإبادة الفورية لأعدائه الذين آذَوه في الطائف وطردوه وطاردوه، فردّ ذلك العرضَ وأباه وهو يقول برحمة ورجاء: “لعلّ الله يُخرج من أصلابهم مَن يؤمن بالله واليوم الآخر”. صلى عليك الله يا أرحم خلق الله بخلق الله.

إن غير المسلمين ليسوا سواء. فيهم محاربون معتدون أو مُظاهرون مُعاونون على العدوان، وهؤلاء بغضُهم من الدين ومحبّتُهم من علامات النفاق أو ما هو أسوأ من النفاق: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله}. وانتبهوا إلى قوله تبارك وتعالى: “مَن حادّ الله”، فجعل سببَ البغض عداوةَ الله ومحاربتَه ومحاربة نبيّه وشريعته، وليس الكفرَ نفسَه كما يتوهم كثير من الناس.

وفيهم مهادنون مسالمون موادعون، بل إن فيهم محسنين إلى المسلمين، وهؤلاء ليسوا أعداء لنا يستحقون اللعنات والدعوات بالضر والشر، فضلاً عن القتال، بل هم أحقُّ بدعوتنا وأَولى بأن نعرض عليهم ديننا، عرضاً نظرياً بالكلمات، وعرضاً عملياً باللطف والمودة والعمل الصالح والسلوك الإيجابي، لعل الله يشرح -بدعوتنا وحسن سلوكنا- قلوبَ أناس كثيرين لهذا الدين العظيم.

*   *   *

هذه الفكرة صار نشرها في أوساط المسلمين من الواجبات لا من المندوبات، ولا سيما بعدما أوغلت داعش في تشويه الإسلام والإساءة إلى المسلمين. إنها فكرة “الرحمة” التي تتسع في قلب المسلم حتى تشمل المسلمَ وغيرَ المسلم، وهذا هو معنى قوله تعالى عن نبيه الكريم: {وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين}، وقوله صلى الله عليه وسلم لمّا شُجَّ وجهه الكريم يوم أحد، فشقّ ذلك على أصحابه فقالوا: لو دعوت عليهم؟ فقال (كما في حديث مسلم): “إنّي لم أُبعَث لَعّاناً وإنما بُعِثت رحمة”.

إنها رحمة الهداية للناس جميعاً، رحمة تقتضي الحرص على فتح قلوب الكفار للإسلام وليس الصدّ عنه والتنفير منه، تقتضي الحرص على جَرّ الناس إلى الجنة لا دفعهم إلى النار.