الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
فبعد مرور أربع سنوات على انطلاق الثورة المباركة، وما بذله الشعب من تضحيات كبيرة إلا أنَّ خذلان الثورة والتآمر عليها كبير ومستمر.
فبدءًا من منع الأسلحة عن الثوار، والسماح للنظام باستيراد شتى أنواع الأسلحة، والخبرات العسكرية، واستجلاب المرتزقة إلى صفوفه.
إلى مجاراة النظام في وصف الثوار بالإرهاب، وعدم تجريمه على فظائعه، والتشكيك في مسؤوليته عنها، ووضع الثوار على قدم المساواة معه في المسؤولية عن الجرائم المزعومة ضد المدنيين، والتهديد بملاحقتهم جنائيًا.
والعمل على تسهيل تغلغل الغلاة في جسم الثورة، وتضخيم حجمهم بهدف القضاء على الثورة المعتدلة، وتشويه صورتها، وإيجاد المبررات لتجريمها بحجة الإرهاب.
ومرورًا بمحاولة فرض مشاريع سياسية على الثورة لتوجيهها حسب رؤاهم وأجندتهم.
مع استخدام سلاح التجويع وحرمان الملايين من أقل مقومات الحياة من الغذاء والدواء، والتضييق على الجهود المبذولة في ذلك، وإيقاف البرامج المخصصة لهذه الجوانب الإنسانية؛ بغية الضغط على الثوار والفصائل للقبول بما يملى عليهم.
ولعل من آخر ما تمخضت عنه تلك الجهود: العمل على استثمار حال صمود النظام الظاهرية في محاولة فرض تسوية سياسية يكون بعض أجزاء النظام وشخصياته جزءًا من مستقبل سوريا، حتى تبقى الثورة مكبلة عاجزة عن تحقيق ما تصبو إليه.
ومع هذه الصورة القاتمة للمكر بالثورة، إلا أن هناك صورًا ناصعة، تحمل على التفاؤل وحسن الظن بالله تعالى، ومن ذلك:
- الإنجازات الكبيرة على جميع الأصعدة: العسكرية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، مقابل ضخامة المؤامرة وشدتها.
- فشل المؤامرات في تحقيق المراد منها، على الرغم من شدة الضغوط، وضخامة الحدث.
- تنبه كثيرٍ من الشعب لهذه المؤامرات، والعمل على إفشالها وكشفها، وتجاوزها.
- الوقفة المشرفة للعديد من الدول والشعوب الإسلامية مع محنة إخوانهم في سوريا، وبذل ما يستطيعون من الإعانة، والنصح، والمشورة.
ولم تكن هذه الإنجازات لتتحقق إلا بتوفيق من الله تعالى، وتيسيره، وما أودعه في الجهاد من خير، ووعد للمجاهدين بالتوفيق والفرج، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10-13].
وما أودعه تعالى في بلاد الشام من الخيرات والبركات التي تواترت بها النصوص الشرعية، ومنها:
- قوله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالشامِ فإنها خِيَرةُ اللهِ من أرضِه، يجْتبي إليها خِيَرتَه من عبادِه، فأما إن أبيتُم فعليكم بيَمَنِكم، واسقُوا من غُدُرِكم، فإن الله تَوكّل لي بالشامِ وأهلِه) رواه أبو داود.
- وقوله: (طُوبَى لِلشَّامِ، طُوبَى لِلشَّامِ، قُلْتُ: مَا بَالُ الشَّامِ؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَجْنِحَتِهَا عَلَى الشَّامِ) رواه أحمد، والترمذي.
فعلى الثوار أن يحسنوا الظن بربهم، وأن يعرفوا أنَّ الله بارك بلادهم، وجهادهم، وأنَّه رغم المؤامرات والمكر: فما زالت الثورة مستمرة، والجهاد قائمًا بفضله تعالى، وما زالت فرص النصر كثيرة، مع فشل محاولات خنق الثورة، وعجز النظام عن الانتصار، وانكشاف حال جماعات الغلو وفقدانها للحاضنة الشعبية، مما يؤذن بزوالها بإذن الله.
ومازالت الفرصة قائمة لإعادة النظر بما مضى من الثورة، وتصحيح مسار ما يحتاج إلى تصحيح، واستغلال فرص القوة، ومكامن النصر، والبعد عن الأخطاء والسلبيات والقصور.
نسأله سبحانه وتعالى، أن يمن على عباده بالنصر والتمكين، وأن يجبر كسرهم، ويقمع عدوهم .. والحمد لله رب العالمين