السبت 19 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 21 ديسمبر 2024 م
لا تعظموا النكرات والسفهاء!
الخميس 1 ذو الحجة 1435 هـ الموافق 25 سبتمبر 2014 م
عدد الزيارات : 2564

 

لا تعظموا النكرات والسفهاء! 

 

الأحداث التي يتعرض لها المسلمون دون غيرهم من الأمم، أوجدت حالة تشبه الإدمان على الأخبار السيئة والكارثية عند شريحة من المتعاملين مع صفحات التواصل الاجتماعي، وهم في ذلك أشبه بمن يشرب ماء البحر؛ يشرب ويشرب ولكنه لا يرتوي أبدا!
لقد تطورت هذه الحالة عند البعض إلى إدمان دور المضطهد، فيركزون على ملاحقة الأخبار الغريبة، وما يصرح به النكرات والسفهاء، ممن لا رأي ولا وزن لهم في المجتمع، واعتبار آراءهم مخاطر حقيقية تهدد الأمة!
من هذه الأخبار ما تداوله الشباب على صفحات التواصل الاجتماعي عن كاتبة أنها قالت: إننا لا نحتاج إلى دعاء السفر حين نركب الطائرة، وأن الطائرة ليست كالجمل. وأخرى تقول: إنها خرجت من مدينتها في إحدى الدول المجاورة للسعودية للبحث عن الله في شوارع مكة ولم تجده!
وثالثة قالت: إن الحل لمواجهة تحرش الشباب بالفتيات، هو التحرش بالرجال للانتقام منهم، وإرغامهم على احترام النساء والفتيات!
هذه النماذج الثلاثة لشخصيات غير مؤثرة في الرأي العام، وغير معروفة للمهتمين بالشأن الإعلامي والثقافي العام، فضلاً عن أنهن نكرات ومجهولات عند عموم المتعاملين مع وسائل الإعلام، لكن النقل عنهن، يعد من أوسع أبواب ترويج أفكارهن ـ إن كان لهن أفكار ـ ومساعدتهن على الانتشار حين يكثر الشباب من التحذير منهم أو استهجان أقوالهن.
 
بعض هذه الشخصيات تتعمد مصادمة الرأي العام؛ بهدف الشهرة والانتشار وطرح أسمائها بين القراء، ولا يعنيها الانتصار لفكرة كما أنها تهدف لتغيير أفكار المجتمع أو تسميمها، كما يعتقد البعض، وقد كان أحد كبار كتاب اليسار السابقين، يؤلف الكتب التي تصادم الشريعة الإسلامية، ثم يقوم ـ بنفسه ـ بكتابة الشكاوى ضدها ويرسلها للجهات الرقابية لمنع الكتاب، وحين تتصدى له الرقابة يقوم هو بالاستنجاد بحقوق الإنسان وحرية الفكر وحرية الإبداع... إلخ..  ويكون كتابه حصل على أكبر حملة دعائية مجانية!
إننا نساهم بشكل مباشر أو غير مباشر حين نتداول هذه الآراء الشاذة بغرض الإنكار عليها، لكن لو تركناها وأهملناها لماتت في مهدها، ولن يكتب لها الانتشار بين الناس، فأصحاب هذه الدعوات أصغر من أن يؤثروا في العقل الجمعي للأمة، وهم يدركون ذلك جيدا، ويهدفون إلى الشهرة الشخصية فقط.
 
ويبدو أن هذه الحالة ليست حديثة عهد بأنصاف وأرباع الكتاب، وإنما متجذرة منذ زمن طويل، فها هو الإمام ابن الجوزي رحمه الله يروي حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه؛ فيقول: بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم، قام رجل فحسر عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان من الحُجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الرجل: حتى يعرفني الناس، ويقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم!!
هل تعرفون اسم هذا الرجل؟ بالقطع لن تعرفوه؛ لأن المصادر التي روت الواقعة لم تذكره؛ لأنه من النكرات المتطلعة للشهرة فقط، تماما كما يفعل النكرات المعاصرون الذين يطرحون أفكارا غرائبية أو صادمة للذوق والدين بغية الشهرة والانتشار، لكن حوادث التاريخ تؤكد أن شهرتهم ومجدهم يكون محدودا جدا، وأقل من أن يتجاوزهم، برغم جرأتهم وإساءاتهم، وظلمهم لأنفسهم!