خمسة أسس في تعامل الدعاة مع الناس
رأس مال الداعية إلى الله سبحانه هو تقبل مجتمعه له , واستعداد الناس من حوله لسماع نصائحه وتوجيهاته وما يعلمه لهم من علم, وتجاوبهم معه في اصلاح أنفسهم وبيئتهم التي يعيشون بها, من أجل ذلك كان لزاما على الدعاة إلى الله أن يفهموا جيدا طرائق التعامل مع الناس وطرائق مخاطبتهم وأساليب بناء العلاقات معهم, ولهم في ذلك القدوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهاكم
خمسة أسس هامة في بناء تلك العلاقة ارجو أن تفيد العاملين في الدعوة إلى الله ..
أولا: لا يمكن لإنسان مهما كان أن يفوز بحب كل الناس أو بثقتهم، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف بل قد تجد شخصا ما يناصبك الغيظ والعداء بلا أي سبب.. بل في أيامنا هذه فهناك الكثير ممن تأثروا بحملات الإعلام المسمم الذي يبغض الناس في الدعاة إلى الله ويشوه صورتهم أمام الناس والمهارة هنا هي: كيف نحول هؤلاء المعادين والنافرين إلى أصدقاء وقريبين..
ولذلك أساسان هامان: الأول ألا تقابل سلوكهم ذاك العدائي والسيئ بمثله أبدا على أية حال فعليك أن تقابل العبوس بابتسامه وعاود ذلك واصبر عليه فقد قال ابن مسعود: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" متفق عليه، وأما الأساس الثاني فهي أن تنتهز فرصة يمكنك فيها أن تساعده مساعدة مؤثرة دون أن يطلب منك ذلك.. فعندها سارع بها واعلم عندها أن عداوته لك قد زالت..
ثانيا: إقناع الناس بالأفكار شيء سهل يسير ولكنه يحتاج إلى فن وفكر ومهارة، فالناس يمكنهم أن يتخلوا عن أفكارهم إلى أفكارك بمحض إرادتهم إذا أقنعتهم بها، فتغيير القناعات لا يمكن حصوله بالضغط أو بالإلزام أبدا، بل تتغير القناعات بالرضا والقبول وبالإثبات والبرهان وبالجاذبية والتقريب، والفاشل في ذلك هو المجادل المحترف الذي يجادل عن رأيه أبدا ويعتمد على قهر الناس والسخرية من آرائهم لإقناعهم وما هو بفاعل ولو ظل يجادلهم ألف عام.
ثالثا: من أهم الصفات اللازمة للداعية في تعامله مع الناس هي السيطرة على النفس وانفعالاتها، وإلا فستكون النتيجة التي لا تحمد عقباها.. فالانفعال يمكن أن يجعلك تهدم جسور الثقة والأمان والحب والود الذي ظللت تحرص عليها شهورا وسنين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله الوصية فقال له: (لا تغضب) رواه البخاري وعن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء) رواه أبو داود والترمذي، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصُرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب) متفق عليه.. وأولى الخطوات التي يمكن من خلالها أن تسيطر على انفعالاتك أن تثق بنفسك وتجعل الناس يثقون بك.. فهذه الثقة المتبادلة بينك من جانب وبينك وبين الناس من جانب آخر كفيلة بأن تجعلك لا تصل لمرحلة الانفعال وعدم السيطرة على النفس.
واعلم أنك إذا كنت عرضة لانفجارات غاضبة عنيفة نتيجة عدم السيطرة على النفس فإنك ولاشك لن تستطيع السيطرة على الآخرين وسوف تواجه صعوبات في الفوز باحترام الناس وتقديرهم بل ستفقد وقارك وقيمتك.. فعليك أن تحدد العوامل التي تصيبك بالغضب والإحباط وان تضع يدك على ما يدفع بك إلى الثورة الغاضبة، فربما يساعدك إدراكك لما يضايقك على اتخاذ ردود أفعال أفضل لو تركت الأمر لفكرك وعقلك.. لا لمشاعرك وعواطفك.
وأنت حين تتكلم بنبرة هادئة لينة فإنك تكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد.. هدأت الطرف الآخر وحميت نفسك من الوقوع في براثن الغضب، وعندما ترفض الرد بالسوء على السوء وتسيطر على أعصابك وتتكلم بهدوء سيدرك الطرف الآخر أنه خسر المعركة بلا شك وخاصة عندما يكتشف أنه يصرخ وحده دون شريك!
رابعا: يجب أن يكون هدفك الأسمى أثناء التعامل مع الناس رضا الله سبحانه ثم الفوز بالأصدقاء وليس صنع الأعداء، وهناك ثلاثة أساسيات في التعامل مع الناس إن قمت بها فستتجنب عداوات الناس الأولى أن تتجنب تماما النميمة والغيبة وتشويه سمعة الآخرين قال الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا}، وليكن منطقك في التعامل مع الناس قائما على أساس أنه إذا لم تستطع أن تذكر شخصا ما بالخير فاصمت، ولا تذكره بالسوء أبدا حتى لو كان سيئا فعلا والثانية أن تتجنب اتهام الآخرين بالخطأ والثالثة أن تتجنب السخرية أو إنقاص ذات الآخرين ولو على سبيل المزاح وثق أنك لو سخرت من إنسان فإنك تكون قد حولته من صديق إلى عدو ولو لدقائق لأنك اعتديت على ذاته وجرحت كبرياءه..
خامسا: إياك أن تجعل علاقاتك العامة بالناس لأجل مصالحك الشخصية أو نيل مراتب دنيوية على حساب الآخرين، فإن ذلك ينبت عند الناس الحقد الدفين والحسد الغائر، ويباعد الناس عنك في المواقف المهمة وينفرهم منك في ساحات الأفكار والتوجيهات. يجب أن يستشعر الناس أنك تعرفهم لا لشيء ترجوه منهم غير الخير لهم والتعاون معهم على العمل الصالح والصحبة الإيمانية الكريمة..