الأربعاء 2 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 4 ديسمبر 2024 م
الحرب على الإحباط
الخميس 28 شعبان 1435 هـ الموافق 26 يونيو 2014 م
عدد الزيارات : 4598

 

الحرب على الإحباط 

 

(الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، ... الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ .... الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ).
تلك الكلمات قالها حبينا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق في قصة مشهورة معروفة، فلماذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التوقيت بالذات للبشارة بفتح تلك الدول؟ لماذا في غزوة اجتمع فيها ما لم يجتمع في تاريخ العرب، فلأول مرة يجتمع أكثر من 10000 (عشرة آلاف) مقاتل يحيطون بالمدينة المنورة من أجل القضاء على الدعوة المحمدية، هذا من الخارج، أما الداخل فإن اليهود قد نقضوا العهد وأصبح حال المسلمين كما وصفه الله في كتاب العزيز: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10]، حتى قال أحد المنافقين: "أحدنا لا يأمن أن يذهب لقضاء حاجته، ومحمد يعدنا بكنوز كسرى وقيصر"؟!
لعل السبب -والله أعلم- هو تحطيم روح الانهزامية التي يمكن أن تتسلل إلى قلوب المؤمنين، وكأنه يقول لهم: العرب شأنهم أقل وأنكم ستنتصرون عليهم ليس هذا فقط بل وستفتحون أعظم دولتين في العالم آنذاك! أية بشرى وأي روح معنوية عالية؟ وقد حصل ذلك فقد رأى المؤمنون انهزام العرب وفتح فارس والروم واليمن.
إن القلوب المؤمنة المرتبطة بخالقها لا تعرف اليأس و لا تستجيب لدعاوى الإحباط مهما كان الموقف، وأيا كانت الأحداث، وتلك سنة ربانية لا تختلف باختلاف الأزمان، فهذا موسى يقول الله عنه: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61-62]، وحين تعرض محمد صلى الله عليه وسلم إلى حادثة الإفك جاءه القرآن ليقول له: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11].
وهذا رسول الله يقول: (إذا قال الرَّجلُ: هلك النَّاسُ، فهو أهلكُهم) رواه مسلم، وفي موقف آخر يقول: (أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) رواه البخاري، أتدري لماذا خصَّ أحدًا بالذات؟
لعل أحد الأسرار -والله أعلم- أن العرب كانت تتشاءم من المكان الذي يحدث فيه مكروه لهم وفي جبل أحد تعرض المسلمون لموقف سماه الله مصيبة: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران: 165]، فمن أجل محاربة التشاؤم وتحطيمه في النفوس قال عنه: (يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)، والله أعلم.
وفي زمننا الحاضر ومن التقدم التكنولوجي وعصر الاتصالات والمعلومات، نرى العجب العجاب، فاليأس والتشاؤم ينتشران انتشار النار في الهشيم بين المسلمين، فلا تكاد تجلس في مجلس إلا ويُذكر اليأس والرسائل السلبية، لدرجة أنه أصبح فاكهة المجلس ومدار الحديث فإذا أردت أن يتحدث الناس فما عليك إلا ذكر موقف أو قصة فيها نوع من اليأس فتنفتح شهية الآخرين فينهمل عليك المطر غزيرًا فلا تكاد تستطيع أن توقف المتحدثين.
وصورة أخرى وهي ما يُتداول في النت عبر الإعلام القديم والجديد، فارجع إلى أرقام المشاهدات الكثيرة العدد (ربما أكثر من مليون مشاهد) تجد أن غالبها ينتقد أو يتحدث عن سلبيات هنا وهناك وبأسلوب ساخر، وفي المقابل ابحث عن المواد الإعلامية المفيدة وهي كثيرة –ولله الحمد- تجد أن عدد مشاهديها أقل بكثير، وهنا تساءلت لماذا يُقبل الناس وبشغف على الرسائل السلبية المحبطة –غالبًا– بينما لا يكون الإقبال على الجوانب الإيجابية إلا قليلًا؟ لاشك أن أسباب ذلك كثيرة ومتعددة وبعد طول تأمل تيقنت أن هناك سببين هما الأهم والله أعلم، وهذان السببان هما:
1- "التملص" وهو فن يجيده الكثيرون، بل تتقنه النفس البشرية –غالبًا- دون الحاجة إلى تدريب، وأعني به التملص من المسؤولية وإخراج الذات من ذلك، فالرسائل السلبية تُعطي إشارة لمستمعها أنه غير خارج نطاق المعاتبة فالواقع نتيجة أخطاء غيره فيكون هو كما في المثل المعروف "يخرج مثل الشعرة من العجين"، و قد كشف لنا القرآن الكريم إحدى وسائل التعامل مع الأخطاء فقال عن غزو أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، فمن المهم البحث عن أسباب المشكلة "أَنَّى هَذَا" ومن الأهم عدم تعليق أخطائك على غيرك: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}.
2 - "الكسل" النفس البشرية عمومًا تميل إلى الكسل أكثر منها إلى العمل، فغالب الناس يرغب في الراحة والدعة وينزعج لما يُطلب منه العمل، فالمجاهدة الأصعب غالبًا في العمل وليس في الكسل، ومن هنا كان أحد أنواع الصبر (الصبر: حبس النفس على ما تكره) الصبر على الطاعات لأنها مباشرة أقوال وأعمال فيما تكره النفس (إلا من رحم الله)، فالرسائل السلبية تدفع العبد نحو الكسل لذا فهو يتقبلها برغبة، لذا لا تجد –غالبًا- من يُكثر الاستماع إلى الرسائل السلبية أنها تُحركه نحو العمل، بل غالب ما نراه أن تُقعده عن البذل والعطاء.
وقبل الختام لابد من التنبيه أننا لا ندّعي الكمال ولا يوجد مجتمع بلا أخطاء، ولا نعني عدم الحديث عن الأخطاء، ولكننا نقصد كثرة الانشغال بعرض الواقع السيئ مع ضعف المبادرات التصحيحية وبالذات التصحيح على المستوى الشخصي الذي يدخل في دائرة الممكن، حتى رأينا الكثير ممن ينشغل عن عيبه بعيوب الآخرين، وقد جاء في الأثر: "من علامات توفيق الله للعبد أن يشغله بعيوبه عن عيوب الآخرين، ومن علامات خذلان الله للعبد أن يُشغله بعيوب الآخرين عن عيبه" وليكن شعارنا "انشغل بما يجب أن تعمل لا بما يجب أن يُعمل"، ولعلك تسأل ما الذي يجب أن أنشغل به؟ أقول: الاستعداد والتهيئة وإعداد الإجابة عن الأسئلة الخمسة التي ذكرها الناصح لنا والمشفق علينا والمبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لَا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمْرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَ، وَعَنْ شَبَابِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَ، وَعَنْ مَالِكَ مِنْ أَيْنَ كَسَبْتَهُ وَفِيمَا أَنْفَقْتَهُ، وَمَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ) السلسة الصحيحة للألباني 946.