من أجمل القصص التي حدثت في الثورة
من يسمعها يظن أنها من نسج الخيال
الزمان: أحد أيام ذي القعدة 1433 .
المكان: ريف اللاذقية.
كنا مجموعة من الشبان الثوار مع أحد الدلالين قرب منطقة...
تَرَكنا الدلال فجأة.. توغلنا في المنطقة التي لا نعرفها
اكتشفنا بعد ذلك أننا محاصرون بجنود الجيش النظامي!
التجأنا إلى إحدى المغارات،تم إمطار المغارة بمختلف القذائف.
استشهد الشبان الواحد تلو الآخر وأصواتهم تتعالى بنطق الشهادتين والتكبير..
بقيت أنا وصديق لنا وحدنا..
أصيب صديقي في وجهه، وأصبت أنا في يدي اليسرى وفي ظهري
كنت أشعر بالإرهاق الشديد؛ فأنا لم أنم منذ يومين
وكنت أشعر بالجوع والعطش لدرجة لا تحتمل.
هكذا قال لي صديقي: سنسلم أنفسنا..كان وجهه ينزف..
قلت بكلمات واثقة: توكل على الله، إن جرحك بسيط.. ثق بأننا سننجوا بإذن الواحد الديان.
لم أشعر بالخوف قط،كانت يدي تنزف، نزعت العصابة السوداء التي كانت موجودة على رأسي والتي نقش عليها لا إله إلا الله ووضعتها على جرحي وأمسكت أحد طرفيها بيدي اليمنى والطرف الآخر عضضت عليه بأسناني.
كان عقلي يعمل بسرعة، قررت أن أقاوم.. سألهيهم حتى المساء كان لدي حوالي150 طلقة في بندقيتي.
من الظهيرة وحتى الغروب، وأنا أطلق الرصاصة تلو الأخرى بفواصل..
أحافظ فيها على صمودي وعلى حياتي..
أسمعهم (جنود الجيش الأسدي) يقولون لي من بعيد: سلم نفسك.. إنك محاصر..إن تعاونت معنا فعليك الأمان..
خسئتم والله.. هكذا رددت عليهم بأعلى صوتي
كنت أعلم في قرارة نفسي أنني إن فعلت ما يقولون فسيقبضون عليّ وسينالون مكافئات عظيمة كوني-بزعمهم- من العصابات المسلحة التي تخرب البلاد.
أسمع أصواتهم وهم ينطقون بألفاظ الكفر.. ويسبون ويشتمون.. إلى متى سيبقى هذا اللعين يقاومنا!؟
حل الظلام بقي خمس طلقات في المخزن،
أعطيت البندقية لصديقي وطلبت منه أن يلهيهم بها، وشرعت بصنع حفرة في المغارة لنختبئ فيها.
كانت الأرض رطبة مما سهل لي عملية الحفر بفضل الله.
نزلنا في الحفرة،ورحت أحثو التراب الرطب على جسدينا المنهكين والمدميين ..بدأ المجرمون بالاقتراب تدريجيا، دخلوا المغارة، ظانين أنهم قد أجهزوا على كل من كان فيها، وزاد يقينهم بذلك عندما شاهدوا أحد الشبان الذين أصيبوا قبلنا، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
انهالوا على رأسه وجسده بالضرب الشديد، سمعت تأوهاته وأنا تحت التراب، كتمنا أنفاسنا أنا وصديقي، أخفيت حرقة في قلبي.. وحبست دمعتي..
ذهب المجرمون بعد أن تأكدوا من انتصارهم وقد أسكرتهم نشوة الانتقام..
بدأت أصواتهم تبتعد تدريجيا، وعندما تأكدنا من ابتعادهم، خرجنا زاحفين بسرعة،كانت قواي خائرة.. ولكن الله تعالى أمدني بالقوة حتى ابتعدنا عن المكان أكثر من 500 متر، بدأت أفقد وعيي تدريجيا، وأستعيده عندما يرتطم جسدي بالصخور التي تملأ المكان أثناء سيري.
قطعنا الدروب الوعرة، بلغ منا التعب والإرهاق ما بلغ..
فجأة سمعنا أصوات أشخاص، اقتربنا منها، مع عدم المبالاة بما ستكون هويتهم، ثوارا أم جنودا تابعين للنظام..
بعد التعارف السريع تبين أنهم ثوار، الحمد لله ، إنه الخلاص.. لقد نجونا.. الحمد لله
لا أصدق أنني بقيت على قيد الحياة
كنت أدعو الله في المغارة: يارب.. نجني يا أرحم الراحمين.. يارب مالي أحد سواك..
انتهى
تذكرت قول الله عز وجل في كتابه العزيز في سورة الأنعام:
{(62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}.