عقيدة المسلم (3)
الركن الأول من أركان الإيمان: الإيمان بالله
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الإيمان بربوبية الله تعالى، وسنتحدث في هذه الحقة عن الإيمان بألوهيته.
الإيمان بالألوهية:
الإله هو المعبود، والإيمان بألوهيته عز وجل هو الاعتقاد الجازم بأنه وحده الإله الحق لا شريك له وكل إلهٍ سواه باطل، قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163].
وهذا التوحيد هو الذي بعث الله به الرسل للناس، فكانوا يقولون لأقوامهم: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
لا إله إلا الله
معنى (لا إله إلا الله): أي لا معبود بحقٍ إلا الله.
فلا أحد يستحق العبادة من بين جميع ما يُعبد إلا الله تعالى.
شروط (لا إله إلا الله): هذه الكلمة العظيمة لها شروط سبعة يتوقف انتفاع قائلها على تحقيقها جميعها، وقد دلت على هذه الشروط نصوص الكتاب والسنة:
1_ العلم بمعناها: وهو أنَّه لا أحد يستحق العبادة إلا الله، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19].
2_ اليقين بمدلولها يقينًا جازمًا لا يدخل فيه ظنٌ أو شكٌ، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].
وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لاَ يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم.
3_ القبول لما اقتضته هذه الكلمة: بالقلب واللسان والعمل، خلافًا للكافرين الذين وصفهم الله بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ - وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 35 - 36].
4_ الانقياد لما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه: قال عز وجل: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22]، والعروة الوثقى: لا إله إلا الله.
5_ الصدق: وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، فيوافق قلبُه لسانَه، قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب 23- 24]، وعن معاذ بن جبل _رضي الله عنه_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري.
6_ الإخلاص: وهو تصفية عمل القلب والجوارح بالنية الصالحة من جميع شوائب الشرك، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ) رواه البخاري.
7_ المحبة: لهذه الكلمة، ولما اقتضته ودلت عليه، والمحبة لأهلها العاملين بها، وبغض ما ناقض ذلك من الشرك وأهله، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].
وفي الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ [لذة الطاعة، وتحمل المشاق في رضى الله ورسوله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا]: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) رواه البخاري ومسلم.