إن ما يجري في بلدان العالم الإسلامي -وسوريا خصوصًا- في هذا الوقت يكشف عددًا من الحقائق الثابتة في الإسلام، والتي قد تخفى على البعض، حيث يتكالب الكفر والنفاق على الإسلام والمشروع الإسلامي في المنطقة بصورة واضحة سافرة، وهو ما يؤكد أهمية التعرف على السنن الإلهية التي أرست قواعد تعامل الكفر مع الإسلام، وهي قواعد كلية لا تتغير بتغير الأزمنة أو الأمكنة.
فمنها قوله تعالى:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } [البقرة:120]، فالآية تبين بجلاء ووضوح استحالة رضى الكفر عن الإسلام لاستحالة اتباع المسلمين ملة الكفر..
وسنة من سنن الله أن الكفار لا يزالون يقاتلون المسلمين حتى يردّوهم عن دينهم بكل ما أوتوا من استطاعة وقوة، قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ} [البقرة:216] ففي الآية إخبار بشدة عداوة الكفار للمسلمين، إلى حد قتالهم لصرفهم عن الإسلام.
فحقيقة الكفر عداوة دائمة وقتال دائم مع معسكر الإسلام، لا يمحوها الزمن، ولا تخففها مواثيق ولا عهود ولا وعود، بل كلما أبرموا عهوداً نقضوها أو تحايلوا عليها، ومهما تكلموا بكلامٍ براق خادع إلا أن ما تخفيه صدورهم يظهر على فلتات ألسنهم ومواقفهم، قال تعالى: { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118].
ومهما اختلف كفرهم، وتعددت مصالحهم إلا أنهم يتفقون على حرب الإسلام وعدائه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا) رواه أبو داود، وذلك لأن العداوة قائمة على أساس الدين، لا المصالح الدنيوية، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
والثورة السورية منذ اندلاعها خير شاهد على هذه الحقيقة، فالعالم كله يقف إلى جانب عدم إسقاط النظام، ويدعمه ويقويه، ويصمت عن جرائمه وانتهاكاته، حتى على مستوى الإدانة والتجريم، ولعل من آخرها مهزلة نزع الأسلحة الكيميائية، والدفع باتجاه (حل سياسي) للحفاظ على النظام وانقاذه من الانهيار!
ويزيد هذه المعركة قسوة أن ينضم إليها صف المنافقين، الذين يوجدون في صفوف المسلمين، فيسهمون في الخداع، والتخذيل، وربما التجسس والإفشال، قال تعالى: :{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}[التوبة:47-50].]
فقدَر المسلمين أنهم في صراع دائم مع الكفر والنفاق، ويكون انتصارهم حين تتوافر أسباب النصر من التوبة والعودة إلى الله والاحتكام إلى شريعته، مع اتخاذ الأسباب المادية.
إن ما يحدث بالمسلمين اليوم عامة والسوريين خاصة من فتن وابتلاءات، إنما هو ابتلاء وتمحيص من الله تعالى، وأثناء ذلك يجب ألا تغيب عن الأذهان حقيقة أخرى هي ثقة المسلم بربه وتفاؤله بنصر الله لعباده، وخذلان أعداء الدين، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[التوبة:32].