الجمعة 19 رمضان 1445 هـ الموافق 29 مارس 2024 م
حول البيان رقم (1) / أحمد أرسلان
الأحد 15 ذو الحجة 1434 هـ الموافق 20 أكتوبر 2013 م
عدد الزيارات : 15342

حول البيان رقم (1) / أحمد أرسلان

 
كان البيان رقم (1) للفصائل العسكرية نقطة فارقة في تاريخ الثّورة السوريّة، فهو البيان الأوّل الذي يصدر عن هذا العدد من القوى المجاهدة، ذات الثّقل، وبهذا الوضوح في (إسلاميّة الطّرح)، وبسحب الشّرعية من الائتلاف.
 
ردود الفعل كانت في معظمها بين مرحبٍ ومترقب، إلا أنّ هناك أصوات رفضت ونددّت، وأغلب ما قيل يدور حول عدّة محاور منها:
 رفض حكم العسكر.
لا يحُقُ للعسكرِ سحبُ الشّرعية من الواجهةِ السياسيةِ للثورة.
رفضُ طرحِ الفصائل للشريعةِ الإسلاميةِ كمصدرٍ وحيد للتشريع.
سحب الشرعية عن الائتلاف سيؤدي لاستمرار المعاناة لمدّةٍ أطول.
ولنقم بمقارنة بين الطرفين (الائتلاف - الفصائل) قبل أن نحكم على المشهد :
 
أولاً : الائتلاف الوطني :
1- مشكلة الائتلاف الأساسية هي أن تأسيسه انطلق من الخارج، ويستمد شرعيه ووجوده وبرامجه من الخارج، وكان عليه لمحاولة إصلاح هذا النقص والخلل أن يتواصل مع مكوّنات الثورة والشعب، ومنها المسلّحة، والّذي بِدورِهِ سيُمثّلها، ويُنسّق معها لإيجادِ حلولٍ ومقترحات، وتقديم رؤى لحل مشاكل الثّورة السورية.
إلا أنّ الائتلاف وغيرهُ من التّشكيلات السياسية، كان دورها ضعيفٌ جداً في التواصل مع الداخل، وفي الجانب العسكري اقتصر تواصلهم على سليم ادريس رئيس الأركان، وكلّنا يعلم ان الفصائل لا تتبع له في معظمها.
لذا بقي للثورة شقين منفصلين، شِقٌ عسكريٌ يُدافِع في الداخل، وشِقٌ سياسي لا أثر له في الداخل، وأثرُهُ يكادُ يكون معدوماً في الخارج ايضاً.
2- ثُم إنّ الائتلاف نفسهُ ومن نتائِجِ عدمِ تواصلِه، أو تقديم دعم حقيقي للداخل، أو حتى وجود مكاتب تمثيلية له في الداخل، أصبح واجهة سياسية لا تمثل القاعدة الشعبية بجميع مكوناتها، وقلة ترضاه من شرائح الثورة المدنية منها أو العسكرية.
3- لعِبُ الائتلاف بثوابت الثورة السورية، مثل الانتقال من عدم التفاوض مع النظام إلى التفاوض بشروط، دون الحصول على مكتسباتٍ بهذا الانتقال، ومن عدم حضور مؤتمر جنيف إلى حضوره بشروط باهته، ومؤتمر القاهرة ووثائقه التي تنصّ على علمانيّة سوريا المستقبل، والشبهات التي تدور حول الاتفاقيات مع الكتل الكرديّة، لذلك على من يقول بأن سحب الشّرعية من الائتلاف سيمد في عمر الأزمة، ويستنزف مزيداً من الدماء، عليه أن يعلم بأن وضع مستقبلنا في أيدي الائتلاف سيكون مخاطرة بمكتسبات الثورة كلها!
4- استجابة الائتلاف لضغوط دوليّة في إدخال تشكيلاتٍ جديدةٍ إليه، وبضغط غربي، وبالحصة التي يريدون، وهذا كله يرسِمُ علامات استفهام حول إمكانية الائتلاف مقاومة الضغوط، والمحافظة على بوصلة الثورة .
 
ثانياً: الفصائل العسكرية :
1- ابتداءً علينا أن نوضّح بأنّ الطّرح الّذي يُؤطّر الفصائل بالعسكريّة فقط، هو طرحٌ غيرُ عادل، أو بعيدٌ عن أرضِ الواقع، فالأصلُ أنّ هذِهِ الكتائب هي تشكيلات من المدنيين حملوا السّلاح مُضّطرين للدّفاع عن أنفُسهم، وعن مُجتمعهم، وحقِّهم، ثم إنّ غياب أي جهد للائتلاف عن الداخل، اضطر هذه الجهات لسدّ الفراغ، فهي -ومنذ سنة تقريباً- قد شكّلت جهات شرعية وقضائية، وشرطة، ومؤسسات خدمات، ومكاتب للتعليم والدعوة والإغاثة وإصلاح البنى التّحتية وتشغيل النّقل الداخلي وغيره من أدوار الدّولة .
فهذه الفصائل جُهدها ليس عسكرياً فقط، بل فيها مكاتب مدنية كثيرة تدير شؤون المناطق المحرّرة، وتسعى لخدمة النّاس، فهي تُدافِع، وتسدّ فراغ الدّولة (والائتلاف)، ثم نحصر جُهدها في حملِ السّلاح! ونحرِمُها من أن يكون لها دورٌ سياسي !
و يأتي الجربا بتصريح يقول فيِهِ إنّ الائتلاف لا يُشرِّفُهُ أن تعترف بِهِ جبهةُ النُّصرة.
ترك كلّ الفصائلِ المشاركةِ في البيان وذكر النُّصرة استرضاءً للغرب، وكم قدّمتِ النُّصرة لشعبِنا وماذا قدّم الجربا؟!
2- ثم إن الانتقاد الثّاني للبيانِ أنّهُ أعلن الشّريعة الإسلاميّة مصدراً وحيداً للتّشريع، وهذا فرضٌ على كلِ مُسلم إن مكّنهُ الله، أن يُدافِع عن أن يكون الحُكمُ والتّشريعُ ضمن إطار الشّريعة الإسلاميّة، حتى إن البعض انتقد عدم تضمين كلمة (دولة ديمقراطية) في البيان، وكأنّ بِهذِهِ الدّيمقراطيّة انتقلت مِن أن تكون وسيلةً لإقامةِ العدلِ والحرّية والكرامة إلى مبدأٍ وغاية !
نحن نفهمُ العدل والحرّية والكرامة كما فسّرها كتابُ الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلم، وهو ما كُلِفنا بإقامته، وكلُّ وسيلةٍ مشروعةٍ تؤدّي لإقامتِهِ فهي طريقٌ لذلك، وإن مكّن اللهُ لهذِهِ الفصائل فعليها حمايةُ تطبيقِ الشّريعة، وإقامة العدل.
ولا ينافي هذا استخدامُ الأساليب الحديثة في إدارة الدولة ضمن إطار الشّرع وقواعد السياسة الشرعية.
 
وفي النّهاية هذا الطرح لا يعني أنّنا نُشجّع على أن تنفَرِد هذِهِ الفصائل بالقرار، بل ندعوها ليكون دورها إسقاطُ النّظام وحِمايةُ الشّرعية، وأن تُنسق وتُشارك باقي أطرافِ الثّورة في الدّاخل والخارج لتشكيِلِ جسمٍ سياسيٍ للثّورة. ونُشجِّعُها على الاستمرار في إصدارِ البياناتِ الموّحدة والائتلاف والتّوحد، ونشكُرُ لها جُهودها في مختلفِ المجالات، وندعوها لمزيدٍ مِن التنسيقِ مع المكونات المدنيّة في الداخل.