الجمعة 20 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 22 نوفمبر 2024 م
من قصص الشهداء ـ مع أبي عائشة تقبله الله
الخميس 8 شوّال 1434 هـ الموافق 15 أغسطس 2013 م
عدد الزيارات : 4109


مع أبي عائشة (تقبله الله)


      كان الجيش الأسدي الرافضي يتحيَّن الفرص، ويستغل أي مناسبة، ليهجم على الشباب المرابطين على طريق السفيرة-خناصر، والذين يقومون بالدفاع عن دينهم العزيز، وعرضهم الغالي، وبيوتهم وأموالهم والأطفال والذراري.
      إنَّه جيشٌ ربَّاه حافظ الأسد على الجريمة والرذيلة، والحقد والضغينة، ثم تابع ابنُه سيرة أبيه، وزاد عليها فنوناً وأشكالاً من الظلم والسفاهة والطغيان.
      كان شبابنا الموحِّد يرابط، ويدافع، ويقاتل، وهو لا يملك إلا القليل من الذخيرة، والضعيفَ من أنواع السلاح، ومع ذلك فالعزيمة قوية، والتفاؤل بالنصر عالٍ، والأمل بالله كبير، والتوكل على الله حالُ المجاهدين الصادقين.
      وصلتْهم الأخبارُ بأن قوات حزب البعث واللات متمركزة في مسجد قرية الجبين، تعيث في بيت الله الفساد، فلا احترام للمشاعر والمقدسات، ولا اعتبار لشيء من الأعراض والحرمات!!
      اشتاق الشباب المؤمن إلى الجنان، وجمعوا ما عندهم من سلاح وسنان، وانطلقوا باسم الله، لا يهابون الموت، ولا يخشون إلا الواحد الديان، قدَّموا الدبابة (التي غنموها من فلول النظام)، وراحوا يطلقون منها القذائف على مقر الشبيحة وأهل الإجرام.
      فلما رأى المجرمون القذائف تتوالى، وجنود الحق تتقدم في قوة واختيال، هرعوا يركبون ما يجدون أمامهم من السيارات، حذر الموت وحرصاً على الحياة...!
     أقبل البواسل إلى مقر المجرمين، وحازوا بفضل الله الغنائم والمكاسب، وأخذت بسمةُ العزِّ والنصر تملأ جوانحهم، وتتلألأ في محياهم. وكان من هؤلاء الجنود البواسل، والشباب المسلم المقاتل، كتيبةُ جند الله (التابعة لجبهة تحرير الشام)، هذه الكتيبة جاءت من أماكن شتى، جاءت لتساند إخوانها؛ لخطورة هذه المنطقة ولطول هذه الجبهة وامتدادها.
      كان شباب جند الله في طريق العودة، وهم مسرورون بنصر الله، والأناشيد تتعالى من حسن الشفاه، وبينما هم في هذه الحال، وضع أخونا أبو عائشة (عبدو الإبراهيم من قرية صرين، التابعة لمدينة منبج) رجلَه على لُغمٍ..!!
      انفجر اللغم، وتطايرت شظاياه هنا وهناك، فهذا جُرح في وجهه، وآخر في جنبه...وآخر وآخر، أما أبو عائشة فقد انفجر اللُّغم أسفله!! قام الشباب بحمل أخيهم إلى أقرب مستشفى ميداني، حملوه وهو في ذكر لله -تبارك وتعالى- طوال الطريق، يرفع السبابة، ويلهج بذكر الرب الجليل، حتى كان آخر كلمة قالها: "لا إله إلا الله، ولله الحمد".   الله أكبر!!
      أرجو لك الجنة يا أبا عائشة، أرجو لك الفردوس مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحبه المجاهدين، فعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ آخِرَ كَلامِهِ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ". رواه أبو داود والحاكم بإسناد صحيح.
      قال صحبه: والله إن أبا عائشة قبل استشهاده بساعتين تقريباً سمع نداء إخوانه المرابطين فوق الجبل، وهم يطلبون الطعام عبر القبضات، فلم يقم أحدٌ من التعب وشدة الحر...!! ولكن أبا عائشة العائد من رباطه وحراسته قبل دقائق قام تاركاً استراحته، متناسياً تعبه، وذلك ليوصل الطعام إلى إخوانه!!
      وقال أصحابه أيضاً: طالما سمعناه، وهو ابن الثامنة عشرة، يردد: الشهيد يشفع لأهله، ويكررها كثيراً! ويقول أيضاً: أنا مشروع شهادة! تقبله الله ورفع درجته وأعقبى المجاهدين عقبى صالحة.
      لله درُّ هؤلاء الشباب!
      فقد تربّوا في ساحات الجهاد، وفي معسكرات العقيدة والتوحيد، فترى منهم الخلق الرفيع، والإيثار الكبير، والأخوة الصادقة، هذا أبو عائشة، حينما أصيب، نادى بأعلى صوته: كيف حالكم يا أخواني؟ إذا أنتم بخير فإني بخير...! تأملوا كيف ذابت النفس في أخواتها، وكيف تلاشت الأنانية وتناثرت في ربوع الجهاد وطريق الشهادة...!
      بل قال لي الذي رافقه في السيارة: إن أبا عائشة قال: يا إخواني أنتم منتصرون، فإني قد رأيت النصر. قال هذا، وهو مضرَّج بدمائه، يستعد للقاء ربه!
      إنها كلمة -الله أعلم بها-!
      ولكننا نتفاءل بها جدًّا، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءهُ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أكَراهِيَةُ المَوتِ، فَكُلُّنَا نَكْرَهُ المَوتَ؟ قال: "لَيْسَ كَذَلِكَ، ولكِنَّ المُؤْمِنَ إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءهُ، وإنَّ الكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعَذابِ اللهِ وَسَخَطهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وكَرِهَ اللهُ لِقَاءهُ". رواه مسلم.
      فلعلَّ أخانا الحبيب أبا عائشة بُشِّر برحمة من الله وفضله (نرجو له ذلك ولا نتألَّى على الله) فبشَّرنا وبشَّر إخوانه المجاهدين...!
      اللهم حقق لنا البشرى: بالنصر والتمكين في الأرض يا رب العالمين، اللهم تقبل أبا عائشة وإخوانه في الفردوس الأعلى، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، ولا تفتنا بعدهم.