بيَّن الله –تعالى- في كتابه الكريم للمجاهدين في سبيله أسباب النصر على الأعداء، الحسية منها والمعنوية، وفي ذات الوقت الذي تتكرر الأوامر بالتثبيت في المعركة يتجه السياق إلى توضيح معالم العقيدة وتعميقها ورد كل أمر وكل حكم وكل توجيه إليها، ومن أهم ذلك وأمضاه في ساحة المعركة: التمسك بطاعة الله تعالى والبعد عن معصيته، فطاعة الله تُقرِّب العبد من ربه؛ وتزيده خضوعاً وتوكلاً على الله، وإيمانًا بوعده بالنصر والتمكين.
لذا فقد تكرر في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم دعوة المجاهدين إلى التمسك بطاعة الله والبعد عن معصيته في مواطن عديدة، وبيَّن ما فيها من فوائد عظيمة تعود على المجاهدين في أرض المعركة، ومن ذلك:
أن تقوى الله تعالى من أعظم الطرق لإخلاص العمل له، وتنقيته من شوائب النوايا الدنيوية والأطماع المادية، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أخرجه البخاري ومسلم. الجهاد لله تعالى، وتقوى الله تعالى سببٌ للنصر على الأعداء، وتأليف القلوب بين المجاهدين ووحدة صفوفهم، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
وتقوى الله وطاعته سبب في الحماية من الأعداء ورد كيدهم، قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران: 120]، قال ابن كثير رحمه الله: " يُرْشِدُهُمْ تَعَالَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ وكَيْدِ الفُجّار، بِاسْتِعْمَالِ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ مُحِيطٌ بِأَعْدَائِهِمْ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَلَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ".
وتقوى الله سبب لتسخير جنود الله تعالى للمجاهدين، قال تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [آل عمران: 125، 126].
وتقوى الله تعالى سبب للاستخلاف في الأرض والتمكين للدين كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 55].
وتقوى الله تعالى سبب للثبات في مقام المصيبة في الجهاد وغيره قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 153 _157].
ومصداق ذلك ما شهدته ساحة الجهاد السورية خلال شهر رمضان، شهر الصيام والقيام، وقراءة القرآن، شهر التعبد لله، وتصفيد الشياطين، من نصر وفتوحات كبيرة، تفوق ما حققه المجاهدون من انتصارات خللا الشهور الماضية، لهو شاهد آخر على هذه المعاني السامية الأصيلة، تضاف لشواهد تاريخية سابقة على أن شهر رمضان شهر النصر والتمكين للمسلمين.
فما أحوج المسلمين اليوم –وخاصة المجاهدين- للعودة الصادقة المخلصة لله تعالى، منهجًا، وعقيدة، وسلوكًا؛ عبودية لله تعالى، وطلبًا لتحقيق النصر على الأعداء، ولله الأمر من قبل ومن بعد.