بسم الله الرحمن الرحيم
ﺍﻟﺤﻤﺪ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين، وإمام المجاهدين، ولا عُدوانَ إلّا على الظالمين، وبعد:
فإنَّ الله سبحانه وتعالى خصَّ أهل العلم بالمكانة العالية في أقوامهم، وأوجب على الناس الرجوع إلى أقوالهم، والصدورَ عن فتاواهُم، لمِاَ اختصَّهم به من العلم بكتابه، وسُنّةِ نبيّه صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانَه: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل: 43]
لكنّ طائفةً منهُم، انسلخوا مِنَ الحق وأخلدوا إلى الأرض، واتبعوا أهواءهم، فأصبحوا {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} ،ولم يستفيدوا من علمهم فكانوا {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}. وقد حذَّر النبيًّ صلى الله عليه وسلم من الفتنة بهم بقوله: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى هَذهِ الْأُمَّةِ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ). رواه أحمد بسندٍ صحيح
وقد ابتُلِيَت سورية منذ عقودٍ من الزمن بثُلةٍ من هؤلاء، باعوا دينَهم بعَرَضٍ من الدنيا قليل، فأعطَوا الشرعيَّة للنظام الطائفيّ الكافر، وسوَّغوا له سَفكَهُ للدماء ونهبَهُ للأموال، وكانوا شركاءه في الجريمة الطائفية في البلاد، والتي تمثَّلت بقمع صوت أهل العلم والحق، وإطلاق يد شذَّاذ الآفاق، الذين عاثوا فسادًا وعبثًا بعقيدة الشعب ودينه باسم محبة آلِ البيت، وآلُ البيت منهُم بَرَاء.
ومنذ أنِ انطلقت ثورتنا المباركة وقفت المؤسسة الدينية الرسمية ـ المفروضة على الشعب دون أحقيةٍ علميةٍ أو تاريخية ـ في صفّ النظام المجرم، ومارست أشدَّ حالات الكذب والنفاق، إلى حدِّ وصفِهِ بآخر معاقل الإسلام والمقاومة! وتعامت عن كل جرائمه، وعن التدخلات الطائفية الخارجية، وتخاذلت عن نصرة المستضعفين والمظلومين.
واستطاع الشعبُ اليوم، بجهاده وثقته بربه وتوكله عليه أن يزلزل عرش النظام المجرم، وأن يُلحِقَ به الخسائر المتتالية، ومرَّغ بالتراب أنوفَ الطائفيين المعتدين، وحين بدأت ملامح النصر تلوح في الأفق، وهذا مُؤذِنٌ ـ بحول الله وقوته ـ بانهيار المشروع الصفوي في المنطقة؛ إذا بهذه المؤسسة الدينية المأجورة تخرج على الملأ بإعلان الجهاد في سبيل الله! والنفير العام تحت راية نظامٍ طائفيٍ، لم يدع حرمةً من حرمات الدين إلا انتهكها، ولا سبيلاً من سبُل الخير إلا منعه وصدّ عنه!..
بل زادت هذه الطغمة المأجورة بأن استَعْدَتْ على الشعب أعداءَ الدين والوطن من طائفيي إيران وحزب الله والعراق؛ قياماً بفريضة الدفاع عن الدين، كما زعموا!
إنَّ المؤسسة الدينية الرسمية بإعلانها ذلك قد أضفت الشرعية على التدخلات الخارجية لمحاولة إنقاذ النظام من انهياره الوشيك ـ بإذن الله تعالى ـ ، وهي بذلك تقف على قدم المساواة مع النظام في جرائمه، وفي المسؤولية الجنائية عنها، وما يترَّتب عليها من ملاحقات ومحاكمات.
وإنَّ شعار (إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه) الذي رفعه الشعب عاليًا، ينبغي أن يشمل أوَّلَ ما يشمل، هذه المؤسسة الدينية، فيُطهرَّها من هذه الطغمة الضالة المنتفعة؛ حتى يعود إلى قيادتها أهل العلم الصادقون العاملون.
وإننا إذ نبرأ إلى الله تعالى مما صنع علماء السوء هؤلاء، ونحذِّر من عواقب إعلانهم ومآلاته المتمثلة في إضفاء الشرعية على إجراءات داخلية إجرامية، أو تدخلات خارجية طائفية؛ لنتلمس في ذلك بشارة من بشارات النصر القريب ـ بإذن الله تعالى؛ فهو دلالة على إفلاس النظام وتخبُّطه، إذ لم يعد في جعبته إلا استخدام الفتاوى في تسويغ إجرامه.
إننا نُذكِّرُ أهلنا في سورية الحبيبة بأن يقفوا صفّاً واحداً لِصَدِّ هذه الهجمة الشرسة من قِبَلِ الصفويين المجوس وأذنابهم، تنفيذاً لحقدهم الطائفي التاريخي الأسود، ونذكِّرهم بأن الإجماع قد انعقد بين علماء المسلمين بأن الجهاد في مثل حالتنا واجبٌ، كلّ بما يستطيعه من نفسٍ أو مال أو موقف، أو غير ذلك مما يراه أنجعَ في نكاية العدو، وخَضْدِ شوكته، وتنكيس رايته.
ونبشِّر المسلمين في أنحاء المعمورة بأن الثورة السورية تقف اليوم على ثغر من ثغور الأمة الإسلامية، ولن تُؤتَى الأمة من قِبَلها بحول الله وقوته، فليقفوا معها وقفة الجسد الواحد، تحقيقاً لقول الله تعالى: {إِنَّ هَذهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[الأنبياء: 92]، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالحُمّى والسَّهَر).
{وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون} [سورة يوسف: 21]
الأربعاء 1 جمادى الأولى 1434هـ
الموافق 13 / 3 / 2013 م