ودوا لو تدهن فيدهنون
( بيان من هيئة الشام الإسلامية )
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده الذي اصطفى وبعد:
استخدم مشركو مكة وسائل شديدة السوء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته، ولكنها كلها باءت بالفشل، وانقلب السحر على الساحر ، ودفعت بعضهم الى إعلان إسلامه، وكان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أحد هؤلاء، والبعض الآخر كان يستنكر أفعال قومه، ولا يخفي تعاطفه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو طالب أحد هؤلاء، وبالتأكيد هناك غيره، مع بقاء هؤلاء على عقيدة الآباء والأجداد.
عقد زعماء مكة وأهل الرأي فيها اجتماعاً بالغ الأهمية ، وتدارسوا هذا الأمر ، وماذا يفعلون بعدما فشل أسلوب الشدة والقمع، وبعد أخذ ورد اتفقوا على أسلوب آخر، ثم اختاروا وفداً منهم للاجتماع بمحمد صلى الله عليه وسلم.
رحب بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمع لقولهم: يا محمد: أنت منا وابن خيارنا، ولا نريد عداوتك، كما لا نريد شقاقاً وحرباً بين قريش، فإن كنت تريد مالاً جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وفي مقابل ذلك نطلب منك قبول شيء من عقيدة آبائك وأجدادك، ونحن نقبل شيئاً مما جئت به. وهذا هو الحل الوسط بيننا وبينك، بل هو أكثر من ذلك.
حقاً انه عرض مغر لكل من لم يكرمه الله بنعمة النبوة، أو بهدي النبوة، ويسيل لعاب الزعماء والقادة أمام مثل هذا العرض، ويفلسفون لأنفسهم نقاط الاتفاق، كقولهم: هذا أمر رائع في هذه المرحلة، ومن ثم فنحن نتبع سياسة "خذ وطالب".
جاء الرد على زعماء مكة من ربِّ محمد صلى الله عليه وسلم حاسماً: "فلا تطع المكذبين. ودوا لو تدهن فيدهنون، ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم. مناع للخير معتد أثيم. عتلٍّ بعد ذلك زنيم. أن كان ذا مال وبنين. إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين. سنسمه على الخرطوم." [ القلم: 8-16 ]
لا تطعهم يا محمد !! نصٌّ قاطع وله عموم اللفظ: لمحمد وأصحابه صلى الله عليه وسلم ، ولكل مسلم في جميع العصور والأمصار. فقد يساوم المسلم على مال أو متاع فيتنازل عنه، أما عقيدة التوحيد فإذا تنازل المسلمون عن شيء منها فإنهم يخسرون ويخسرون كل شيء. ومن ثم فهذا الذي يتحدث باسم زعماء مكة: كاذب مهين، دأبه الغيبة والنميمة ، والصد عن سبيل الله، فكيف نصدقه ونطمئن لأقواله وعهوده. أجل دين الله لا يقبل المساومة، ولا يجوز لنا أن نلين للمشركين لنلتقي معهم في منتصف الطريق.
ألا ما أشبه الليلة بالبارحة ، فهذه الثورة المباركة، قابلها العالم بالإهمال..وعندما قوي عودها، واشتدت شوكتها جذبت انتباه العالم، وصار من الصعب تجاهلها.
وها هنا انبرت الولايات المتحدة الأمريكية بسياستها المعهودة التي لا تخفى على كل من يتابع الشأن السياسي، وانهالت أسئلتهم على من يتصل بهم وينشد مساعدتهم من السوريين:
- ماذا ستفعلون بالأقليات ؟!
- إذا آل الحكم إليكم كيف ستكون علاقتكم مع إسرائيل؟ .. هل ستحترمون العهود والمواثيق الدولية.. وهل ستعترفون بها؟!
- ننصحكم أن تصدروا بياناً تنصّون فيه على أنه لا مانع عندكم إذا اقتضى الحال أن يكون رئيس الجمهورية امرأة أو من الأقليات؟!
ثم تتوالى التنازلات في أسواق المزاد المتدنية الثمن.. ومنذ عام وزيادة ونحن على هذه الحال المزرية.
أما نحن كشريحة من هذه الأمة في شامنا الحبيبة؛ فنقول للأمريكان و أشباه الأمريكان ما يلي:
- نحن حكَمنا وسنحكُم - إن شاء الله – في قابلٍ بالعدل. وصدق فينا قول الشاعر:
مَلَكنا فكانَ العدلُ منَّا سجيَّةً = فلمَّا مَلَكتُم سالَ بالدَّم أبطُحُ
وحَلَّلتُمُ قتلَ الأُسارى وطالما = غَدَونا على الأَسرى نمُنُّ ونصفَحُ
فحَسبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيننا = وكلُّ إناءٍ بالَّذي فيهِ ينضَحُ
أجل لن ترى الأقليات في ظل حكم الأكثرية إلا كل خير.
- أنتم تتباكون وتثيرون الصخب والضجيج على الأقليات التي تفترضون أنها ستظلم، ولكن ماذا صنعتم للأكثرية التي تسيل دماء أبنائها كالأنهار، وتهتك أعراض حرائرها أمام الآباء والإخوان، ويذبح أطفالها كالنعاج؟ ماذا فعلتم بعد مضيِّ عام ونيّف على هذه المجازر التي هزّت كل صاحب ضمير في العالم؟
- ليعدكم من شاء بما يشاء، وعند الوفاء بالوعد سيجد نفسه عاجزاً، وأول من سينفض عنه جمهوره، وعندئذ سيتذكر بأنه لا يملك هذا الذي وعد به. ولا مجال أبداً للتنازل أو المساومة على حكم من أحكام الاسلام.
والله تعالى أحكم وأعلم ، وهو سبحانه الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.