الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
يقول الله تعالى:{وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]
وقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم.
إن المرحلة الخطيرة والمفصلية التي يمر بها بلدنا الحبيب سوريا، وما يعانيه الشعب السوري الحرّ الكريم على يد المجرمين من آل الأسد وأعوانهم وعملائهم، بالإضافة إلى التآمر العالمي الرهيب الذي لم يعد خافياً على أحد، يتطلب من كلّ المخلصين والشرفاء أن يتعاونوا ويتكاتفوا لإيقاف نزيف الدم السوري.
وإن الروابط العلمية والهيئات الإسلامية في سوريا إذ تستشعر عِظَم المسؤولية التي حمّلهم الله إياها بأن يبيّنوا الحق للناس ولا يكتمونه؛ يتوجهون بهذا البيان إلى الإخوة المجاهدين الذين اختصهم الله تعالى بشرف الجهاد في سبيله.
1- ندعو كافة الفصائل والكتائب المجاهدة على اختلاف مدارسها ومناهجها أن توحّد صفها وتتناسى خلافاتها، وتجعل هدفها الأساسي إسقاط النظام المجرم ثم إقامة دولة الحق والعدل التي لا تتحقق إلا بإقامة حكم الله تعالى في الأرض.
2- إن أي خلاف يؤدي إلى التفرقة والتمزق لا يصب إلا في مصلحة العدو المجرم، فالوحدة قوة ونصر، والتفرقة ضعف وهزيمة، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]
3- في حال حصول أي خلاف بين طرفين ينبغي على طرفي الخلاف أن يسارعوا إلى الصلح والتصافي، عملاً بقول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصّلت: 34]
4- في حال تعثر الصلح المباشر لابدَّ من الاتفاق على هيئة شرعية من العلماء والحكماء تكون مرجعاً وحَكَماً للجميع، بحيث يعطونها العهود والمواثيق على الالتزام بحكمها وقراراتها، ومن يخرج على حكمها يكون ناقضاً للعهد والميثاق، وخارجاً على حكم الجماعة، ومن حق الهيئة أن تتخذ الحكم المناسب به حسب اللائحة التي تنظمها الهيئة بالاتفاق مع الأطراف المعنية.
5- إن ما يصدر عن بعض الأشخاص أو المجموعات المحسوبة على فصائل المجاهدين من تسرع في تكفير وتضليل إخوانهم في الفصائل الأخرى ثم استباحة دمائهم أمر ينذر بشرٍّ خطير، ويوقع في فتنة عمياء تأتي على الأخضر واليابس، فالتكفير حكم شرعي تترتب عليه أحكام خطيرة، فلا يصح أن يفتي به إلا العلماء الراسخون بعد استجلاء الأمر ودراسته والتحقق منه تحقيقاً دقيقاً، بحيث تتحقق بالشخص الذي يُحكم عليه بالكفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) متفق عليه.
6- إن الاعتداء على النفس المؤمنة أمر خطير يوقع المعتدي في غضب الله في الدنيا وعذابه في الآخرة قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]
وقال صلى الله عليه وسلم: (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه مسلم.
فالحذر الحذرَ من الاقتتال الذي يغضب الله تعالى ويشمت بنا الأعداء، ولنتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقوق المسلم على إخوانه المسلمين) المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ولا يخذله، بحسب امرئ من السوء أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم.
7- إننا نتوجه بالشكر إلى كل الإخوة المجاهدين الذين قدِموا من خارج سوريا لنصرة إخوانهم، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منهم جهادهم ويجزيهم خير الجزاء، ونذكرهم بأنهم ما جاؤوا إلا لنصرة المستضعفين، ومدافعة المعتدين، وتمكينهم من إزالة هذا النظام المجرم، وأنهم ضيوف أعزاء على أهل الشام، فلا ينبغي لهم أن يفرضوا عليهم فَهماً ارتضوه، أو رأياً اختاروه، فإن أئمة أهل السنة المعتبرين انتشرت مذاهبهم في الأرض، وارتضى أهل كل بلد منها لأنفسهم ما ارتضوه، وفي أهل الشام أئمة أعلام متبعون في القديم والحديث، وما أجمل ما قاله الإمام مالك رحمه الله تعالى -إمام دار الهجرة- مخاطباً الخليفة أبا جعفر المنصور: "إن الناس قد سبقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كلُّ قوم بما سبق إليهم وعملوا به، وإنَّ ردَّهم عما اعتقدوه شديد، فَدَعِ الناس وما هم عليه وما اختار كل بلد لأنفسهم". ومن رأى فيهم ما يظنه خطأ أو انحرافاً فسبيله النصيحة والموعظة الحسنة والحوار العلمي لا البغي والعدوان.
وختاماً؛ يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران : 103]
فالله الكريم نسأل أن يوحد صفنا ويلم شعثنا ويرزقنا الصدق في الأقوال والأفعال ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم آمين.