السؤال: يقول بعض الجنود السوريين: تأتينا الأوامر من قادة الجيش أو الفروع الأمنية بإطلاق النار على المتظاهرين، أو على الفارِّين من الجيش خشية المشاركة في ظلم الشعب وقتله، ونُهدَّد بالقتل وسفك الدم إن لم نفعل، وقد حدث هذا أمام أعيننا، والسؤال: هل يباح لنا قتل الناس المتظاهرين حمايةً لأنفسنا من القتل؟
__________________________________________________
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد عظَّم الله شأن النفس البشرية أن تقتل بغير حق في كتابه الكريم قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151]
بل جعل الله هذه الجريمة بعد الشرك بالله وقرينة له عندما قال:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا }[الفرقان: 68]
وقد توعد الله من قتل مؤمنا بالعذاب والغضب واللعنة قال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : «لَنْ يزالَ المؤمِنُ في فُسحَة من دِينه ما لم يُصِبْ دما حراما» ، وقال ابن عمر: " إِنَّ مِن وَرَطَاتِ الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدَّم الحرام بغير حِلِّه "
وبالتالي لا يجوز لك أيها الجندي السوري أن تقدم على قتل أخيك المسلم ولا يحل لك الإقدام على ذلك وقد قال نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَحِلُّ دَمُ امرئ مسلم يشهدُ أَن لا إِله إِلا الله وأني رسول الله ، إِلا بإحدى ثلاث : الثَّيِّبُ الزَّاني ، والنّفْسُ بالنَّفْسِ ، والتَّارِكُ لدينِهِ ، المفارقُ للجمَاعَةِ». أخرجه البخاري ومسلم.
ولا يجوز لك أن تقول: إنني عبد مأمور أنفذ الأوامر , فإنك مكلف ومسؤول عن كل عمل تقوم به أمام الله , فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :«لا طاعةَ في معصية الله ، إِنَّمَا الطاعةُ في المعروف». أخرجه البخاري، ومسلم.
وإن قلت: إنني إذا لم أقتل المتظاهرين فإنني سأُقتل لا محالة وقد حصل أما عيني مثل ذلك , يقول لك الشرع: كن المقتول ولاتكن القاتل وأطع النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما قال :" ستكون أحداث وفتنة وفرقة واختلاف فإن استطعت أن تكون المقتول لا القاتل فافعل"رواه الحاكم وصححه الألباني.
وتذكر موقفك يوم القيامة عندما يأتي بك المقتول , كما في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:" يجيء المقتول آخذا قاتله وأوداجه تشخب دما عند ذي العزة فيقول :يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول : فيم قتلته ؟ قال :قتلته لتكون العزة لفلان, قيل هي لله".
الله أكبر ما أصدق هذا الحديث على واقعنا فالجنود الآن يَقتلون الناس من أجل عزة بشار الحقير ولم يعلم الناس أن العزة إنما هي لله الواحد القهار.
وقد أجمع العلماء على أن الـمُكرَه على القتل مأمور باجتناب القتل فإن أقدم على قتله فأكثر أهل العلم على القصاص من القاتل والآمر , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يؤتى بالقاتل والمقتول يوم القيامة فيقول أي رب سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول: أي رب أمرني هذا؟ فيؤخذ بأيديهما جميعا فيقذفان في النار". رواه الهيثمي في مجمع الزوائد، ورجاله كلهم ثقات
والخلاصة، فلا يجوز لأي أحد أن يقتل نفساً معصومة بغير حق , ولو أُكره على ذلك، ولو قَتَله كان قاتلاً مستحقاً للقتل.
وكان الأولى بك أيها الجندي السوري أن توجّه سلاحك إلى أولئك المجرمين من الضباط في الجيش والأمن فإن قُتلت عند ذلك تموت شهيداً بإذن الله فتربح الآخرة وتترك الدنيا الفانية التي لن تدوم لأحد.
فعليك أيها الجندي السوري أن تترك الظالمين وتنحاز إلى المظلومين , وتقاتل مع إخوانك في الجيش السوري الحرّ البطل فإما نصر من الله وفتح قريب, وإما شهادة تفرح بها حين القدوم على الله{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88، 89]
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.