السؤال:تعلمون شدة الحاجة والفاقة التي أصابت أهلنا في سوريا، فهل يجوز لنا أن ندفع زكاة أموالنا مقدماً لإغاثة الشعب السوري؟
_______________________________________________
الجواب:الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
يجوز تعجيل زكاة الأموال التي يشترط لها الحول قبل حلول الحول، على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي والحنفية والشافعية والحنابلة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم ابن سلام وغيرهم.
ويدل على ذلك أحاديث منها الذي رواه أَبو داود ، والترمذي وحسنه النووي والألباني عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : «أَن العباس سأَل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل زكاته ، قبل أن يَحوَل الحَولُ ، مُسارَعَة إِلى الخير ، فأذِنَ له في ذلك».
ولكنهم اختلفوا في عدد السنين التي تعجل فيها الزكاة فمنهم من قال سنة ومنهم سنتين ومنهم قال سنينن كثيرة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله - في فتاويه:" تعجيل الزكاة قبل حلولها لأكثر من سنة الصحيح أنه جائز لمدة سنتين فقط، ولا يجوز أكثر من ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعجل الزكاة قبل حلول وقتها، اللهم إلا أن تطرأ حاجة كمسغبة شديدة، أو جهاد أو ما أشبه ذلك، فحينئذ نقول: يُعجل؛ لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل".
والناظر في واقع الشعب السوري المأساوي يجد الفاقة والمسغبة بسبب جهاد شعبنا وصبره على ظلم النظام مما يدعو أصحاب المال إلى المسارعة بدفع زكاة أموالهم ولو مقدما كما رأينا.
بل نقول :إن ديننا يدعونا في مثل هذه النوازل والكوارث أن ينهض كل قادر لنجدة المحتاج بكل ما يستطيع، ولا يقتصر الأمر على دفع الزكاة.
ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من كان معه فضلُ ظهر فلْيَعدُ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليَعُد به على من لا زاد له ، وذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حَقَّ لأحد منا في فضل".
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري : أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «إنَّ الأشعريِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ( أي : إذا نفذ زادهم) ، وقَلَّ طَعَامُ عِيالهم بالمدينة : جَمَعُوا ما كان عندهم في ثَوْب واحد ، ثم اقْتَسَمُوا بينهم في إناء واحد بالسَّويَّةِ ، فهم مِنِّي وأنا مِنْهُم».
وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار . قال : فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء . متقلدي السيوف . عامتهم من مضر . بل كلهم من مضر . فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة . فدخل ثم خرج . فأمر بلال فأذن وأقام . فصلى ثم خطب فقال : " { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } إلى آخر الآية. والآية التي في الحشر : { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله } تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره ( حتى قال ) ولو بشق تمرة " قال : فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها . بل قد عجزت . قال : ثم تتابع الناس . حتى رأيت كومين من طعام وثياب .حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل . كأنه مذهبة.
وقد ذهب كثير من أئمة العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وجوب إغاثة المسلمين إذا أصابتهم شدة وفاقة من أموال الأغنياء إذا لم تكف الزكاة في سد فاقتهم.
قال ابن حزم – رحمه الله – في كتابه" المحلي " :" وفرضٌ على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة".
وذلك لقوله تعالى :{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]
وعند أبي داود وصححه الألباني وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «المسلمُ أخو المسلم ، لا يَظلمُهُ ، ولا يُسْلِمُهُ ، ومَن كانَ في حاجَةِ أخيهِ كان اللهُ في حاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسلِم كُرْبَة فَرَّجَ اللهُ عنه بِهَا كُرْبَة من كُرَبِ يومِ القيامةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِما سَتَرَهُ اللهُ يوم القيامةِ».
ومعنى "ولا يسلمه " : أسلم فلان فلانا : إذا لم يحمه من عدوه وألقاه إلى التهلكة.
وإننا ندعو كافة المسلمين أن يروا الله منهم خيرا، وأن يقوموا بواجبهم تجاه إخوانهم المنكوبين.
كما ندعو أصحاب المناطق السورية الآمنة أو الأقل ضررا أن تقف إلى جانب إخوانهم في المناطق المنكوبة، فإن قربهم منهم يمكنهم من أمور لا يستطيعها البعيد.
ولنتضرع جميعا إلى الله في صلاتنا وعلى كل حال أن يكشف الغمة، ويفرج الكرب، ويجعل يوم الفتح والنصر قريبا جدا.
قال تعالى:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الروم: 4، 5]
وقال تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 4، 6]