السؤال:
من عادة الناس في الأعياد في بلادنا زيارة القبور وحمل النباتات الخضراء ومنها (الآس) والزهور ووضعها عليها، فما حكم هذا الفعل؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
أولاً: زيارة القبور سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أذن بها في قوله: (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) رواه مسلم، وفعلها صلى الله عليه وسلم كثيراً، فكان يزور البقيع، ويزور شهداء أُحُد، ويدعو لهم، وزارها صحابته رضي الله عنهم في حياته وبعد موته.
وقد شرعت زيارة القبور لفائدتين:
ثانياً: ليس لزيارة المقابر وقت محدد، بل تشرع في أي وقت.
أما تخصيص العيد للزيارة فليس له أصل في الدين، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خصص يوم العيد للزيارة مع حرصه على زيارة المقابر والدعاء لأهلها، ولم يكن من هدي صحابته رضي الله عنهم زيارة القبور يوم العيد، ولا نقل ذلك عن أحد من التابعين، ولا أهل العلم المشهورين.
ومعلوم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بشيء من العبادة إلا بدليل شرعي.
ثالثاً: لا يشرع وضع النبات الأخضر الرطب كجريدة النخل و(الآس) وغيرهما على القبر، بقصد تخفيف العذاب عن الميت ما دامت النبتة رطبة، فليس ذلك من السنة.
أما ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ... ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا) فهذا الفعل خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الخطابي _رحمه الله تعالى_ في "معالم السنن" تعليقاً على حديث ابن عباس: "وأما غرسه شقَّ العسيب على القبر وقوله (ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه جعل مدة بقاء النداوةِ فيهما حداً لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تغرس الخوص [وهو جريد النخل] في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه".
ويدل على خصوصية هذا الفعل به صلى الله عليه وسلم أدلة منها:
رابعًا: أما وضع الورود والزهور والرياحين على القبور فهو محرم؛ لما فيه من:
وليعلم أن نفع الميت والتخفيف عنه له وسائل مشروعة من أهمها: الدعاء والاستغفار له، والصدقة عنه، وأداء الحقوق التي عليه، سواء كانت لله تعالى بدفع الزكاة المستحقة عليه في حياته، والحج والعمرة عنه إن لم يكن قد حج، أو سداد ديونه للمخلوقين، أو مسامحة أصحاب الحقوق بحقوقهم، وغير ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الأخ محمد وفقه الله لكل خير: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته أنهم كانوا يزورن المقابر أيام الأعياد. ومع تكرار زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم لمقبرة البقيع إلا أنه لم ينقل في حديث صحيح أنها كانت يوم عيد. والثابت أنه أمر بزيارة القبور مطلقا دون تخصيص بوقت معين، فمن ادعى غير ذلك فعليه الدليل. والأصل في الأعياد _كما ذكر بعض أهل العلم_ أنها لزيارة الأحياء، والتوسعة على النفس والأهل، والفرح والسرور، لا زيارة المقابر والأموات. أما علة وضع الغصنين على القبر: فقد وردت نصًا من كلامه صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا) وفي الحديث الآخر: ( فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ) فالعلة: استمرار شفاعته بتخفيف العذاب مدة بقائهما رطبتين. أما تفسير العلة بأنه لأجل التسبيح: فقد قال بها عددٌ من أهل العلم، لكنه تفسير بعيد؛ إذ هو مخالف لما ورد في الحديث، ثم إنَّ التسبيح لا يختص بالرطب دون اليابس، بل كل شيء يسبح له، قال تعالى: { وإِنْ مِنْ شيء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ}. وأما نقل أقوال المذاهب وأهل العلم: فهذا هو اللائق بالبحوث العلمية، وليس الفتاوى المختصرة. علمًا أن أقوال بعض أهل العلم في وضع الجريد الرطب أو النبات على القبور، وليس على تخصيص ذلك أو فعله يوم العيد، فليتنبه له. وأخيرًا: فإن ما نقلته عن الشيخ ابن باز لا يتعارض مع ما قلنا في الفتوى، فقد نص على أنه لا يخصص العيد بالزيارة، وهذا ما ذكرته الفتوى، لا منع الزيارة مطلقًا. وفعل أهلنا في سوريا ومواظبتهم عليه وازدحام المقابر في العيد يدل على تخصيص العيد بالزيارة وهذا ظاهر. على أن للشيخ ابن باز رحمه الله فتاوى أخرى في الموضوع أوضح، منها: أما تخصيص زيارة القبور بعد صلاة العيد كأنه يزور الأحياء والأموات فهذا ليس له أصل، ولم أعلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة أنهم كانوا يخرجون إلى البقيع بعد صلاة العيد, والخير في اتباع السلف الصالح، الخير في اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه....إلخ http://www.ibnbaz.org.sa/mat/14201 وله ولغيره من أهل العلم فتاوى وأقوال أخرى يطول نقلها وتوضيحها. والله أعلم