الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ الموافق 19 مارس 2024 م
إذا أَخرج زكاة الفطر في بلدٍ آخر، فبأَيِّ قيمةٍ يُخْرِجُها؟
رقم الفتوى : 280
الأربعاء 26 رمضان 1443 هـ الموافق 27 أبريل 2022 م
عدد الزيارات : 45207

إذا أَخرج زكاة الفطر في بلدٍ آخر، فبأَيِّ قيمةٍ يُخْرِجُها؟

السؤال:

أريد اخراجَ زكاة الفطر طعامًا في سورية، وأنا أعيش في ألمانيا، فهل أخرج زكاة الفطر بقيمتها في ألمانيا أو سورية؟

لأني إذا أخرجتها بقيمة ألمانيا قد أشتري 7،5 كيلو أرز في سورية، وإذا أخرجتها صاعًا مِن طعامٍ في سورية قد لا تشتري ربع كيلو أرز في ألمانيا!! فقدر زكاة الفطر في ألمانيا (7) يورو، هل أرسلُها وأشتري بها طعامًا في سورية بغض النظر عن الكمية وأخرجُها؟

الجواب:

الحمدُ لله، والصَّلاة والسلامُ على رسول الله، وبعد:

فإنّ زكاةَ الفطر تجب على المسلم في البلد الذي يقيم فيه، ويجوز له نقلُها لغيره إذا وجدت الحاجة أو المصلحة، وينقلها بحسب قيمةِ الصاع في محلِّ إقامته، يشتري به طعامًا في سورية يوزَّع على الفقراء والمساكين.

وبيانُ ذلك:

أولًا:

الأصلُ أن يُخرج المسلمُ زكاةَ الفطر في محلِّ إقامتِه.

وللعلماء في حكم نقلِها لبلدٍ آخر أقوالٌ لخّصها ابنُ هُبيرة في كتابه "اختلاف الأئمة العلماء"، فقال: "واختلفوا في ‌نقل ‌الزكاة مِن بلد إلى بلدٍ على الإطلاق:

فقال أبو حنيفة: يكره إلا أن ينقلها إلى قريبٍ له محتاج، أو قومٍ هم أمسُّ حاجةً مِن أهل بلده، فلا كراهة.

وقال مالك: لا يجوز على الإطلاق إلا أن يقع بأهل بلدٍ حاجةٌ فينقلها الإمامُ إليهم على سبيل النظر والاجتهاد.

وقال الشافعي: يُكره نقلُها، فإنْ نقلها ففي الإجزاء قولان.

وقال أحمد في المشهور عنه: لا يجوز نقلُها إلى بلد آخر تقصر فيه الصلاة إلى قرابته أو غيرهم، ما دام يجد في بلده مَن يجوز دفعُها إليهم.

وأجمعوا على أنه إذا استغنى أهل بلد عنها جاز نقلُها إلى مَن هم أهلُها".

ولعلَّ أقربَ الأقوالِ: جوازُ النقل إذا وجدت الحاجة والمصلحة المعتبرة، كما هو الحال في سورية وغيرها مِن البلدان التي تعاني مِن ويلات الحرب والفقر.

قال أبو الحسن المرغيناني الحنفي في "بداية المبتدي": "ويكره ‌نقلُ ‌الزكاة مِن بلدٍ إلى بلد، وإنما تُفرَّق صدقةُ كلِّ فريقٍ فيهم، إلا أنْ ينقلَها الإنسانُ إلى قرابتِه، أو إلى قومٍ هم أحوجُ مِن أهل بلدِه".

وقال ابنُ تيمية في "الفتاوى الكبرى": "وإنما قال السلف: جيرانُ المالِ أحقُّ بزكاته وكرهوا نقلَ الزكاة إلى بلد السلطان وغيره؛ ليكتفي أهلُ كلِّ ناحية بما عندهم مِن الزكاة، ...، ويجوز نقلُ الزكاة وما في حكمها لمصلحةٍ شرعيةٍ".

ثانيًا:

في حال نقل الزكاة لبلد آخر، فالمسلمُ بين خيارين:

1-أنْ يقوم بشحن زكاة الفطر طعامًا إلى سورية، وهذه الصورة لا إشكال فيها، فهو قد اشترى الطعام في بلد إقامته ونقله بعينه إلى سورية.

2-أن يرسل إلى سوريا نقدًا، ويوكّل مَن يشتري به طعامًا يدفعه لمستحقي الزكاة.

وفي هذه الحال: يلزمه إرسالُ قيمة الصاع في محلِّ إقامته، لا بحسب قيمتِه في سورية؛ لوجوه:

الأول: أنّ العبرة بمكان الوجوبِ لا مكان الإخراج.

وزكاةُ الفطر تتعلق بمحلِّ وجود المزكي، لا بمحَلِّ وجودِ ماله، أو محلِّ وجود الفقير.

قال ابن هانئ في مسائله: سألت أبا عبد اللَّه -يعني الإمام أحمد بن حنبل- عن الزكاة أين تجب على المسافر؟ قال: "إذا كان قد وجب عليه بمكةَ أطعم بمكة".

وقال ابن قدامة في المغني: "فأما زكاة الفطر فإنه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه، سواء كان مالُه فيه أو لم يكن؛ لأنه سبب وجوب الزكاة، ففُرِّقت في البلد الذي سببها فيه".

وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: "العِبرةُ في نقلِ الزَّكاةِ الماليَّةِ ‌بِبَلدِ المالِ حالَ ‌الوجوبِ، وفي زكاةِ الفِطرةِ ‌ببلدِ المؤَدَّى عَنهُ؛ اعتبارًا بسَبَبِ ‌الوجوبِ فيهما".

وإذا كان كذلك، فهي قد وجبت عليه في البلد الذي هو موجود فيه صاعًا مِن طعام ذلك البلد، فإذا أراد نقلَه إلى بلد آخر، فإما أن ينقل عينَ ذلك الصاع مِن الطعام، أو يقوِّمه ثم يشتري بقيمته طعامًا في البلد الآخر.

 

الثاني: أن الواجب عليه في حال نقل الزكاة: إخراجُ صاعٍ مساوٍ للصاع الواجب عليه: قدرًا وصفةً.

وكما لا يجوز النقص مِن القدر الواجب عليه، لا يجوز النقص مِن الصفة التي وجبت عليه.

ولا شكَّ أنَّ الصاع في سورية هو الأقلُّ ثمنًا، وهو لا يساوي مقدارَ الصاع الواجب في محلِّ إقامته في الصفة وإن ساواه في القدر والكيل، ولذا لزمه جبرُ نقصِ الصِّفة.

قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: "جُبران الصِّفاتِ كجُبرانِ المقدارِ".

وقال ابن قدامة في المغني: "وإن أخرجَ من الأدنَى، وزادَ في المخرَجِ ما يَفي بقيمة الواجب، مثل أن يُخْرجَ عن دينارٍ: دينارًا ونِصفًا يَفي بقيمتِه: جازَ.

وكذلكَ لو أخرجَ عن الصّحاحِ مُكسَّرةً، وزادَ بقَدْرِ ما بينهما من الفضلِ: جازَ؛ لأنَّه أدَّى الواجبَ عليه قِيمةً وقَدْرًا".

وقال: "ولأنَّه إذا لم يَجبُرْهُ بما يُتِمُّ به قيمةَ الواجبِ عليه، دخلَ في عمومِ قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}...، ولأنَّ المُستحَقَّ مَعلومُ القَدْرِ والصِّفةِ، فلم يَجُز النَّقصُ في الصِّفةِ، كما لا يجوزُ في القَدْرِ...، فإذا تَساوى الواجبُ والمُخرَجُ في القِيمَةِ والقَدْرِ: جازَ".

 

الثالث: أنّ إخراجَها صاعًا في البلد المنقولة إليه مع اختلاف القيم والأسعار: أداءٌ لأقلَّ مما وجب في ذمّتِه.

فليس الواجبَ في ذمته صاعٌ مِن طعام، بل صاعٌ مِن طعام البلد الذي هو فيه، وصاعُ بلده أعلى قيمةً مِن صاع ذلك البلد، فإذا أخرج الصاع الأقل: لم يؤد الواجبَ الثابت في ذمّتِه.

وفي ذلك فتحٌ لباب التحايل والتهرب مِن أداء ما وجب عليه في بلد إقامته، فقد يكون الواجب عليه وعلى أسرته طعامًا قيمتُه خمسون دولاراً، فيُخرج طعامًا في بلدٍ فقير قيمتُه خمسة دولارات، قاصدًا التهرب مِن أداء ذلك الواجب وبحثًا عن الأرخص، لا سعيًا في نفع الفقراء والمحتاجين؛ لأنَّ مَن قصد نفعهم أخرج طعامًا بقيمة الطعام الذي وجب عليه في البلد الذي يعيش فيه.

 

الرابع: أنّ هذا القول فيه مراعاةٌ لمصلحة الفقير دون أي ضرر يعود على دافع الزكاة؛ إذ لم يُلزَم بأي زيادة على ما وجب في ذمته، وما كان سيخرجه في محل إقامته.

فإن قيل: إنّ الشرع أوجبها عليه صاعًا مِن طعام، وفي هذه الصورة سيخرج أكثرَ مِن صاع!

فالجواب: أنّ الشرعَ أوجبها عليه صاعًا مِن آصع بلده أو محلِّ إقامته، فإذا كان الصاعُ في محلِّ إقامته يساوي خمسةَ آصع في البلد الآخر -مثلًا-، وأخرج صاعًا مِن آصع البلد الآخر فقد أخرج صاعًا أقلَّ مِن الصاع الذي وجب في ذمته، وهو صاعُ أهلِ البلد الذي يعيش فيه.

قال سراج الدين البُلقيني في التدريب: "والواجبُ صَاعٌ ‌مِن ‌غالبِ ‌قُوتِ بلدِ المُؤدِّي".

 

الخامس: أنّه لو ملك صاعًا مِن الطعام في محلِّ إقامته، وأراد نقلَه إلى بلدٍ آخر، وتعذّر عليه النقلُ والشحن، فإنّ الذي ذكره الفقهاء في نظير هذه الصورة أنه يبيعه ويشتري بثمنه طعامًا في البلد الآخر ولو كان قدْرُه أكثرَ مِن البلد الأول.

قال الخرشي في "شرح مختصر خليل": "إذا قلنا بنقل ‌الزكاة إلى البلد المحتاج، واحتاجت إلى كِراءٍ يكون مِن الفيء -أي: من بيت المال لا مِن عند مخرِجها-، فإن لم يكن فيءٌ، أو كان ولا أمكن نقلُها: فإنها تباع الآن -أي: في بلد الوجوب-، ويُشترَى بثمنها مِثلُها في الموضع الذي تُنقل إليه إن كان خيرًا".

وقال عليش المالكي في "مِنح الجليل" شارحًا قول خليل: (‌واشتُري ‌مثلها): "أي: الزكاة، نوعًا لا قدرًا؛ لتبعيته للسعر في البلدين، فيُشترى بثمن الطعامِ طعامٌ، وبثمن الماشية ماشيةٌ إن أمكن".

ففي هذه الصورة قد يكون الواجب عليه في الزكاة شاة واحدة، فيبيعها ويشتري بثمنها في بلد آخر شاةً أو شاتين أو أكثر بحسب السعر في ذلك البلد، وفي كلِّ ذلك يعَدُّ مخرِجًا للواجب عليه وإن كان أكثرَ منه قدْرًا.

 

السادس: أنّ الفقهاء لم ينظروا لقدْر الطعام فقط دون مراعاةِ القيمة والسعر في بلدِ الوجوب.

ولذلك لما تكلم فقهاء المالكية عن المُحرم الذي يقتل صيدًا، وأنّ الواجبَ عليه مِثْلُه مِن بهيمة الأنعام، أو قيمته طعامًا، ذكروا أنّ الإطعامَ واجب في محلّ قتلِ الصيد، فإن أطعم في بلد آخر أجزأه بشرط أن يكون بسعرِ محلّ إتلاف الصيد.

ففي "البيان والتحصيل" لابن رشد المالكي نقلًا عن ابن وهب: "قلتُ: أرأيتَ إنْ أحبَّ أن يُطعِم في بلده، والطعامُ عندهم أرخص، أيجزئه أن يخرج المكيلة التي حَكَما بها عليه؟

فقال: لا، ولكن ينظر إلى قيمة ذلك الطعام بالثمن مِن الدنانير والدراهم حيث أصاب الصيد ووجب عليه الحكم، يشتري بذلك الثمنِ طعامًا ببلده".

وقال ابن أبي زيد القيرواني في "النوادر والزيادات": "وإن أصابه بالمدينةِ، فأطعم بمصرَ: لم يجزئه، إلا أن ‌يتفق ‌سعراهما، وإن أصابه بمصرَ وهو محرمٌ، فأطعم بالمدينةِ: أجزأه؛ لأنَ السعرَ بالمدينةِ أعلى".

فلم يكتف فقهاء المالكية بالقول بوجوب أنْ يُطعِم مثل هذا الطعام في بلد الإخراج، بل راعَوا النظر في القيمة والسعر في بلد الوجوب، وأن يكون نظيرَ تلك القيمة أو أغلى منها.

وقد عقَّب القرافي على هذه المسألة بقوله في "الذخيرة": "وهذا الفرعُ يُلاحَظ فيه معنى نقل الزكاة مِن مَوضعِها".

 

السابع: أن جمعًا من الفقهاء لم يرخّصوا بإخراج زكاة الفطر في بلده طعامًا أقلَّ قيمةً مِن الطعام الذي هو غالبُ قوت البلد، ومِثلُه إخراجُها طعامًا في بلدٍ أقلَّ قيمةً مِن طعام بلده.

قال النووي في المجموع: "فإن عدل عن قوت البلد إلى قوت بلدٍ آخر، نظرت: فإن كان الذي انتقل إليه أجودَ أجزأه، وان كان دونه لم يجزه".

والذي ينتقل مِن إخراج أرزٍّ قيمتُه عشرة دولارات إلى أرز قيمتُه دولارٌ واحدٌ، هو منتقلٌ مِن الأجود إلى الأدنى.

وكلام النووي السابق وإن قصد به الأجود مِن حيث الجنس فقط، إلا أنَّ أحد الوجوه الصحيحة عند الشافعية النظر للقيمة أيضًا.

قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: "لا يُجزئُ الأدنى الّذي ليسَ غالبَ قُوتِ محَلِّهِ عن الأعلى الَّذي هو قُوتُ مَحَلِّهِ، والاعتبارُ في كونِ شَيءٍ مِنها أَعلى أو أدنى بزيادةِ القيمةِ في وجْهٍ؛ لأنَّ الأزيدَ قيمةً أرفقُ بهم، وبزيادةِ الاقتياتِ في الأَصحِّ؛ لأَنّهُ الأليقُ بالغرضِ مِن هذه الزّكاةِ".

والشرعُ جعل الأغلى ثمنًا أعلى درجة مِن غيره في رقاب العبيد، وكذا يقال في الطعام، فمَن عدل عن الأغلى ثمنًا إلى الأرخص، فقد عدل عن الأعلى إلى الأدنى.

ففي صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: (إِيمانٌ باللَّهِ، وجهادٌ في سبيلِهِ). قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: (‌أغلاها ‌ثمَنًا، وأنفسُها عندَ أهلها).

قال الحَليمي في "المنهاج في شعب الإيمان": "فإذا كان هذا في العتق هكذا، فهو في كلِّ صدقةٍ مِثْلُه".

 

الثامن: أنّ نقلَ الزكاة خلافُ الأصل، ولئن رُخِّص فيه في صورٍ للحاجة والمصلحة، فشرط ذلك أن لا يكون ذريعةً لإخراج أقلَّ مما وجب عليه في بلد إقامته.

 

ثالثًا:

وأما مَن يأخذ بمذهب مَن يرى جواز إخراج القيمة، -كما هو مذهب الحنفية وبعض السلف- فأمرُه أظهر وأوضح، فينقل القيمة التي سيُخرجها في محلِّ إقامته كما هي، ويُخرجها في البلد الآخر إذا كانت قيمةُ الزكاة في ذلك البلد مساويةً أو أقلَّ.

فإن كانت قيمتها في بلد إقامته (7) دولار أو يورو، أخرج المبلغ نفسه في سوريا.

 

رابعًا:

لو فُرض أنّ ثمنَ الصاع في البلد الذي وجبت عليه فيه الزكاة لا يساوي قيمةَ الصاع في البلد الآخر، بحيث كانت قيمتُه في بلده أقلَّ منها في البلد المنقولة إليه، ففي هذه الصورة، يقال له: إما أنْ تخرج الزكاة في محلِّ إقامتك، أو تشحنها إلى ذلك البلد، وأما إذا أرسلت نقودًا فيلزمك منها ما يشتري صاعًا مِن طعام ذلك البلد.

وسبب التفريق بين هذه الصورة والتي قبلها: أنّ زكاة الفطر لا تكون أقلَّ مِن صاع، ولكن تصح الزيادة فيها على الصاع.

نقل الباجي في المنتقى عن ابن حبيب مِن المالكية قوله: "إنْ كان الطعام ببلد الإخراج أرخصَ اشترى بثمن الطعام الواجب عليه ببلد الصيد طعامًا فأخرجه، فإنْ كان ببلد الإخراج أغلى أخرج المَكِيْلة الواجبة عليه".

أي: أنه يخرج الكيل الواجب ولو دفع زيادةً في القيمة، وقد علق عليه الباجي بقوله: "وهو إن شاء الله أحوطُ الأقوال".

وأخيرًا:

نحث إخواننا المسلمين أن يحتاطوا لعباداتهم، ويخرجوا القدْر الذي يطمئنون فيه ببلوغ ما يجزئهم ويبرئ ذمتهم، وأن يكون نقلهم الزكاة لمصلحة الفقراء، وسد حاجة المساكين، لا بحثًا عن الرخص والتوفير. 

والله أعلم