السؤال:
ما حكم من يتردد على معسكرات الشبيحة والجنو، ليشتري منهم المواد المغتصبة أو المسروقة من بيوت المواطنين، ليبيعها على الناس، أو ليستخدمها في أموره الشخصية؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
أولاً: الاعتداء على أموال الناس بالسرقة أو الغصب محرَّم، بل من كبائر الذنوب؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى:{ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } [البقرة: 188]، ولما جاء من الوعيد في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) رواه مسلم، و(الأراك): عود السِّواك.
فواجب المسلم الحرص على إطابة مطعمه ومشربه، فـ (إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ؛ النَّارُ أَوْلَى بِهِ)، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، من الحديث الذي رواه أحمد.
ثانياً: ارتياد معسكرات الشبيحة المجرمين لشراء ما سرقوه أو اغتصبوه من بيوت المواطنين أو أملاك الدولة العامة _مع العلم أو غَلَبة الظنِّ بكونه مسروقاً أو مغتصباً_ عمل محرَّم، وذلك لِمَا يأتي:
أ_ شراء هذه المواد المغتصبة أو المسروقة صورة من صور التعاون على الإثم والعدوان؛ لِمَا فيها من تشجيع هؤلاء وإقرارهم على ارتكاب المنكرات، وإعانة لهؤلاء المجرمين على حرب الشعب وإذلاله، وتفويت هذه السلع والأموال على المالكين الحقيقيين، قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وقد ثبت عن النبي صلى الله ليه وسلم أنه لعن من أعان من أعان آكل الربا وشارب الخمر في معصيتهم، والمشتري للمسروق يعين السارق على الاستمرار في سرقته وظلمه، كما يعين المشتري للخمر صانعها وبائعها وشاربها.
ب_ من شروط صحة البيع أن تكون السلعة مملوكة للبائع ملكاً تامًّا أو مأذونًا له في بيعها، وهؤلاء المغتصبون أو السارقون من الشبيحة والجنود لا يملكون هذه المواد ملكية شرعية؛ لذلك لا يجوز شراؤها منهم، فهي مازالت في ملك أصحابها المسروقة أو المغصوبة منهم.
ثالثاً: من اشترى من هذه السلع المسروقة فيجب أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك توبة نصوحاً ولا يعود إلى مثل ذلك، ومن التوبة أن يردِّ هذه المسروقات والمغصوبات إلى أصحابها إن علمهم، فإن لم يعلمهم فليتصدق بثمنها على الفقراء والمحتاجين.
رابعًا: على المواطنين أن يتعاونوا مع الكتائب المجاهدة في إيقاف هؤلاء عن جرائمهم، والسعي إلى ردّ هذه الأموال المغتصبة أو المسروقة إلى أصحابها سواءً كان بأخذها منهم بالقوة، أو شرائها منهم ودفعها إلى أصحابها، تحقيقاً لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
"قال ابن تيمية في "الفتاوى": "وإن كان الذي معهم [أي: التتار] أو مع غيرهم أموال يُعرف أنهم غصبوها من معصوم: فتلك لا يجوز اشتراؤها لمن يتملكها، لكن إذا اشتُريت على طريق الاستنقاذ لتصرف في مصارفها الشرعية فتعاد إلى أصحابها إن أمكن، وإلا صرفت في مصالح المسلمين: جاز هذا".
والحمد لله رب العالمين