السؤال:
ما حكم إفطار المجاهدين من الجيش الحر في نهار مضان؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أولاً: الأصل في صوم المجاهدين أنَّه كصوم بقية المسلمين؛ لعموم الخطاب في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
ثانيًا: إذا كان المجاهد مسافرًا جاز له الفطر مطلقًا؛ لأنَّه داخل في عموم المسافرين الذين يباح لهم الفطر بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، فأما الكتاب فقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].
وقد ثبت من السُّنَّة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ _وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ_ أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا) متفق عليه.
وأما الإجماع فقد نَقل غير واحد من أهل العلم إجماع المسلمين على جواز الفطر للمسافر، قال ابن قدامة _رحمه الله_ في "المغني": " وجوازُ الفطر للمسافر ثابت بالنص والإجماع".
ثالثًا: أما المجاهد المقيم غير المسافر:
1_ فإن كان لا يشق عليه الصوم، أو كان لا يقاتل في النهار: فالأصل أن يصوم كبقية المسلمين.
2_ أما إن كان يجاهد أثناء النهار ويشق عليه الصوم، وبخاصة مع حرارة الصيف فجمهور أهل العلم أنَّه يجوز له الفطر مستدلين ومعللين بما يلي:
أ_ أن فطر المجاهد المقيم أولى من الفطر لمجرد السفر، بل إباحة الفطر للمسافر تنبيه على إباحته في هذه الحالة فإنها أحق بجوازه؛ لأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر.
ب_ أنَّ الفطر عند لقاء العدو من أسباب القوة، وقد أمرنا الله تعالى باتخاذ القوة كما قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، والتقوي عند لقاء العدو مقصد شرعيٌ، وهو لا يتحصل إلا بالفطر والغذاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته يوم فتح مكة: (إِنَّكُمْ مُصَبِّحُوا عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا) رواه مسلم.
ج_ أنَّ إباحة الفطر ليست خاصة بالمسافر والمريض، بل هي مباحةُ لمن خشي تلف نفسه بالصوم أو أفطر من أجل تحقيق مصلحة عظيمة، قال الشوكاني: "ووجوب الإفطار لخشية التلف معلوم من قواعد الشريعة كلياتها وجزئياتها كقوله تعالى: {لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] وقوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
بل إنَّ الفطر أفضل وأولى إن كان فيه تقوية للمجاهد، كما ورد في حديث أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: (سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً مِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخَرَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ مُصَبِّحُوا عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا، فَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا) رواه مسلم.
وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "زاد المعاد": " وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالْفِطْرِ إِذَا دَنَوْا مِنْ عَدُوِّهِمْ لِيَتَقَوَّوْا عَلَى قِتَالِهِ.
فَلَوِ اتَّفَقَ مِثْلُ هَذَا فِي الْحَضَرِ وَكَانَ فِي الْفِطْرِ قُوَّةً لَهُمْ عَلَى لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ فَهَلْ لَهُمُ الْفِطْرُ؟
فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا دَلِيلًا: أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابن تيمية، وَبِهِ أَفْتَى الْعَسَاكِرَ الْإِسْلَامِيَّةَ لَمَّا لَقُوا الْعَدُوَّ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْفِطْرَ لِذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الْفِطْرِ لِمُجَرَّدِ السَّفَرِ، بَلْ إِبَاحَةُ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ تَنْبِيهٌ عَلَى إِبَاحَتِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّهَا أَحَقُّ بِجِوَازِهِ، لِأَنَّ الْقُوَّةَ هُنَاكَ تَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ، وَالْقُوَّةَ هُنَا لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ الْجِهَادِ أَعْظَمُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ، وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ بِالْفِطْرِ لِلْمُجَاهِدِ أَعْظَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ بِفِطْرِ الْمُسَافِر".
رابعًا: من أفطر من المجاهدين في نهار رمضان بسبب السفر أو المشقَّة فيكفيه أن يصوم بدل الأيام التي أفطرها بعد انتهاء شهر رمضان، كما قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].
وينبغي أن يعلم المجاهدون أن شهر رمضان من أعظم مواسم الطاعات والقربات لله عز وجل، وإنَّ الله تعالى ينصر من عباده من ينصره ويخلص النية له تعالى، فليتقووا على جهادهم بتقوى الله تعالى والتقرُّب إليه.
كما أنَّه شهر وقعت فيه أعظم انتصارات الأمة الإسلامية بدءًا من غزوة بدر، وفتح مكة، وفتح الأندلس، وعين جالوت، وغيرها كثير، ولعل من بشرى هذا الشهر العظيم هلاك أعتى طغاة الشام قبله بأيام، ولله الحمد والمنة.
ونسأله تعالى أن يمنَّ على إخواننا المجاهدين بالهداية والتوفيق، والثبات على الحق، وأن يربط على قلوبهم، ويوحد صفوفهم، وينصرهم على عدوهم، إنه سميع قريب مجيب.
والحمد لله رب العالمين