السؤال:
ما حكم من وقع أسيراً في أيدينا، من جنود هذا النظام البعثي المجرم، الذي عاث فساداً، ولم يتورّع عن القتل وانتهاك الأعراض في عموم بلادنا السورية؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: المراد بالأسير: من يقع في قبضة المقاتلين من الأعداء المحاربين، سواء أُسر في حال الحرب أو في عمليات خطف أو دهم أو استسلام أو غير ذلك، ما دام العداء قائماً بين الطرفين.
والنظام السوري نظام كافرٌ مجرم معتدٍ مستبيحٌ للدماء والأعراض والأموال، وجنوده وشبيحته هم أداته في ذلك، فقتالهم والأسر منهم مشروع بلا شك.
ثانياً: الحكم في الأسرى إجمالاً: التَّخيير بين القتل، أو المفاداة بمال أو بأسرى المسلمين، أو المنِّ عليهم بإطلاق سراحهم دون مقابل. والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].
قال ابن القيم _رحمه الله_ في زاد المعاد: "ثبت عنه -صلّى اللَّه عليه وسلّم- في الأسرى أنه قتلَ بعضَهم، ومَنَّ على بعضهم، وفَادَى بعضَهم بمال، وبعضَهم بأسرى مِن المسلمين".
ثالثاً: الحكم في الأسرى بإحدى هذه الأمور الثلاثة: (القتل، المفاداة، المَنّ) لا يكون وفق الهوى والتشهي، بل مراعاة للأصلح والأنفع للمسلمين، وذلك بمشاورة أهل العلم والرأي. قال ابن قدامة _رحمه الله_ في المغني: "فإنَّ هذا تَخْيِيرَ مصلحةٍ واجتهاد، لا تَخْيِيرَ شهوة، فمتى رأى المصلحةَ في خَصْلَةٍ من هذه الخِصال تَعَيَّنَتْ عليه، ولم يَجُزِ الْعُدُولُ عنها".
ونرى أنَّ المصلحةَ الحالية تقضي بقتل كل من شارك في قتل الآمنين في المظاهرات أو البيوت، أو اغتصب النساء، أو ذبح الأطفال، أو كان عاملاً على آلة من آلات الإفساد والتدمير كالمدافع والدبابات ونحوها، أو كان من ذوي الرتب العليا ... فهؤلاء وأمثالهم يُقتلون، ولا يُفدون بالمال أو النفس؛ لشدة إجرامهم وخطورتهم، إلا إذا وُجدت مصلحة أعظم في مفاداتهم ببعض الأسرى أو بأموال طائلة مع وجود الحاجة للمال، أو بما فيه مصلحة عظيمة للمسلمين.
رابعاً: الأسير الذي تبيَّن أنه مُكره على مشاركته في جيش النظام أو كان مغرَّراً به، ولم تتلطخ يداه بالاعتداء على الدماء والأعراض والأموال، وثبتت براءته من ذلك، وغَلَب على الظن عدم رجوعه لصف النظام، فإنه لا يقتل، ويفعل فيه ما هو أنفع للمسلمين.
خامساً: الحكم في الأسرى موكول لقادة الكتائب في مختلف المناطق، وينبغي تشكيل لجنة شرعية في كل كتيبة للنظر في حال كل أسير، والحكم الأصلح فيه.
وليس لآحاد المجاهدين أن يتصرف أو يحكم في الأسرى بشيء من القتل أو إطلاق السراح أو إعطاء الأمان دون الرجوع لقائد الكتيبة، إلا إذا دعت الضرورة الحربية إلى ذلك، كالاضطرار لقتله خشيةَ هروبه، أو محاولتِه الاعتداء على المجاهدين، ونحو ذلك.
قال ابن قدامة _رحمه الله_ في المغني: "ومن أسرَ أسيراً لم يكن له قتله حتى يأتيَ به الإمام، فيرى فيه رأيه؛ لأنَّه إذا صارَ أسيراً فَالْخِيرَةُ فيه إلى الإمام ... فإن امتنعَ الأسير أن ينقادَ معه فله إكراهُه بالضربِ وغيرِه، فإنْ لم يمكنه إكْرَاهُهُ فله قتله، وإن خَافَه أو خاف هربَه فله قتلُه أيضاً".
سادساً: يُعامل الأسير زمن الاحتفاظ به واستبقائه معاملةً حسنة تليق بإنسانيته حتى يُفصل في أمره، كما يُوفّر له الطعام والشراب والكساء؛ لقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]، وهذا لا يمنع من معاملة بعض الأسرى بالغلظة والشدة إذا احتاج الأمر إلى إرغامهم على الإدلاء ببعض المعلومات المهمة.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.