السؤال: تعلمون ما يحصل لإخواننا في سوريا من جرائم متتالية على أيدي عصابات النظام المجرم، حتى وصل إجرامهم إلى الاعتداء على أعراض أخواتنا العفيفات...فهل يجوز للمرأة التي تخشى على نفسها الاغتصاب أن تُقدم على قتل نفسها؟ وهل يجوز للمغتصبة-إن حصل حمل- أن تسقطه؟
_____________________________________________
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أولاً: يجب على المرأة المعتدى عليها أن تدفع عن نفسها ما استطاعت حتى لو أدى ذلك إلى قتل المعتدي. وإذا قُتلت وهي تدافع عن عرضها فهي شهيدة؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رواه أبو داود وغيره وهو صحيح. ودفاع المرأة عن شرفها يدخل في معنى الحديث بلا شك.
ثانيًا: إذا بذلت المرأة وسعها في الدفع عن نفسها-ولكن تمكَّن المجرم منها- فإنه لا إثم عليها شرعًا؛ لأنها مُكرهة، بل هي مأجورة إذا صبرت واحتسبت؛ ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: «عَجَبًا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إنْ أصابتْهُ سَرَّاءُ شَكَر، فكان خيرًا له، وإنْ أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكَانَ خيرًا له». رواه مسلم.
ثالثًا: يحرم على المرأة أن تُقدم على قتل نفسها خشية الاغتصاب أو بعد وقوعه؛ لأنه قتلٌ للنفس بغير حقٍّ, وقد قال الله تعالى:"وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ".النساء:29. وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَن تَرَدَّى مِنْ جَبَل فقتلَ نَفسَه، فهو في نار جهنَّم يتردَّى فيها، خالدًا مُخَلَّدا فيها أبدا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمَّا فقتلَ نفسَهُ، فَسُمُّهُ في يده يتحَسَّاه في نار جهنَّم، خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومَنْ قَتل نفسَهُ بحديدة ، فحديدتُهُ في يده، يَتَوَجَّأُ بها في بطنهِ في نار جهنَّم خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا». فلا يكون الخلاص مما وقع عليها - وهي مكرهة - بارتكاب كبيرة من الكبائر العظيمة.
رابعًا: لا يجوز لأحدٍ من أهلها أو غيرهم أن يُؤذيها بقولٍ أو فعلٍ, فضلاً أن يُقدم على قتلها دفعًا للعار كما يزعمون! فإنها بريئةٌ عفيفة لا ذنب لها، ومن أقدم على قتلها فإثمه عظيم؛ قال تعالى:"وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا".النساء: 93.
بل الذي ينبغي على المجتمع عامة وأهلها خاصة مواساتها والتخفيف من معاناتها، كما يُندب للشباب المسلم المسارعة في الزواج من هؤلاء الأخوات إن لم يكنَّ متزوِّجات، ففي ذلك أجر عظيم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ فَرَّجَ عن مُسلِم كُرْبَة فَرَّجَ اللهُ عنه بِهَا كُرْبَة من كُرَبِ يومِ القيامةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِما سَتَرَهُ اللهُ يوم القيامةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
خامساً: إذا حملت المعتدى عليها وتجاوز الحمل مائة وعشرين يوماً حرُم إسقاطه اتفاقًا؛ لأن الروح تنفخ في الجنين بعد مرور تلك المدة في قول عامَّة العلماء، وفي إسقاطه تعدٍّ على نفسٍ بشرية لا ذنب لها ولا وزر.
وأما إسقاط الجنين قبل ذلك ففيه خلافٌ بين العلماء. والأصلُ منعه إلا لمصلحةٍ شرعيةٍ أو دفع ضررٍ. ولاشك أن ما يقع على المرأة العفيفة وأهلها من جرَّاء حمل الاغتصاب ضررٌ معتبر، وعذر في إسقاط الجنين إذا لم تنفخ فيه الروح. وإلى هذا القول ذهب كثيرٌ من العلماء المعاصرين.
نسأل الله عز وجل بلطفه ومنِّه وكرمه أن يحمي أعراض نسائنا، وأن يدفع عنهن، وأن ينتقم ممن آذاهن، وأن يرحم شهداءنا، ويشفي جرحانا، ويفك أسرانا، وأن ينتقم من هذا النظام المجرم وزبانيته وأعوانه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.