الجمعة 25 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 27 ديسمبر 2024 م
مأساة حلب هل فهمنا الدرس؟
الثلاثاء 15 جمادى الآخر 1438 هـ الموافق 14 مارس 2017 م
عدد الزيارات : 3280

 

 

مأساة حلب
هل فهمنا الدرس؟

 

 

بعد خمس سنوات من الحرية والعزة والصمود.. تقدم العدو.. وتراجع الثوار.. ثم حلت الكارثة.. وسقطت حلب خلال أيام قلائل!
خمس سنوات قاومت فيها الشهباء الأبية أعتى آلات القتل والتدمير والإبادة بدءا بصواريخ سكود، مرورا بالبراميل المتفجرة، وصولا إلى قذائف الطائرات الإرهابية الروسية.
ووسط هذا الجو الحربي الملبد بسحب الانفجارات والمصحوب بزخات الصواريخ والقذائف والرصاص، حاول الحلبيون ممارسة حياتهم الطبيعية، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير مسجلين أبهى صور الصبر والصمود والتحدي، وحاولت المنظمات السورية الحرة سد شيء من الفراغ الذي عانته المدينة في جميع مجالات الخدمات: فظهرت مشروعات إغاثية وطبية وتعليمية ودعوية وإعلامية، وفي جميع المجالات.. مشروعات تدعو للفخر بما أنجزته على مدى السنوات الخمس.
وبعد كل هذه الصور الناصعة سقطت حلب..
لم يكن أشد المحللين تشاؤما يتوقع سقوط حلب بهذه السرعة.. فما الذي حصل؟
أحداث سريعة على مدى ساعات مرت بطريقة دراماتيكية لم تدع فرصة للمتابعين - بل ولمعظم المعايشين للحدث على الأرض - إدراك ما يجري، وبعد أن كان سقف طموحات أهالي حلب المحاصرة يصل إلى فك الحصار واستنشاق عبير الحرية من جديد، إذ به يصبح خلال أيام قلائل: الخروج من المدينة المنكوبة بما خف وزنه وغلا ثمنه.. والسلامة من الأذى كانت أقصى الأماني.
خرجوا من حلب: مقاتلون ومدنيون، وفي أذهانهم أسئلة كثيرة:
لماذا حصل هذا؟
وكيف حصل؟
ومَن المتسبب؟
ومتى سنعود؟
وما الدروس التي نستفيدها من هذه التجربة المريرة؟
وهل فهمنا هذه الدروس؟!
مجلة (نور الشام) فتحت ملف مأساة حلب، وحاولت قدر المستطاع البحث عن إجابات تلك التساؤلات، وكانت بداية الملف مع الشيخ محمد ألماز الذي بدأنا محاورته بهذا السؤال: صمدت حلب على مدى سنوات.. لكن المفاجأة حصلت بأن تهاوت سريعا في النهاية.. ما أسباب هذا السقوط السريع؟
فكان جوابه: "إذا أردنا أن نتحدث عن خسارة معركة من معارك حلب نبدأ أولا بالتوضيح أن حلب وأهل حلب خاضوا معركة غير متكافئة.. أنت تعلم - والكل يعلم - أننا حاربنا مجرمي العالم بكامله، فقد اجتمع علينا: مجوس إيران بحرسهم الثوري، وكامل قدراتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والروس بأساطيلهم وبوارجهم وطائراتهم وصواريخهم الاستراتيجية والارتجاجية والبالستية والعنقودية وسائر اسلحتهم الحديثة التي صبت حممها على حلب، والميلشيات الطائفية الأفغانية، والباكستانية، والعراقية المجرمة، وحزب اللات والحوثيين.. كل هؤلاء اجتمعوا ضد حلب، أضف إلى ذلك تآمر أمريكا وأوروبا علينا بأمرين، أولهما: بمنع أي سلاح نوعي من الوصول إلينا، أي أننا أصبحنا في عرف الحرب الحديثة عزلاً من السلاح، والأمر الآخر بإعطاء الوقت الكافي للنظام المجرم لقتلنا وتغطية جرائم النظام سياسياً في أروقة الأمم المتحدة، حتى إن النظام استعمل أسلحة محرمة في قتلنا مع أطفالنا ونسائنا، ولم يحرك أحد ساكنا، بل أطلق له العنان يفعل ما يشاء، ومن وراء هؤلاء جميعا: الموساد الإسرائيلي، وحاربنا مع النظام كثير من المنافقين على رأسهم مصر السيسي، وجزائر بوتفليقة، حتى وجدنا عناصر ضباط من الجيش المصري تقاتل في صفوف جيش المجرم بشار".

القصة من البداية

ويحكي الشيخ ألماز قصة المعركة من بدايتها فيقول: "بدأت معركة حلب فعليا منذ قرابة عام، بدأت بحرب نفسية اشتركت فيها كل القنوات المأجورة - منها قنوات تدعي أنها مع المعارضة – بدأنا نرى عروضاً مستمرة للباصات الخضر.. لقاءات مع المفكرين موضوعها: ماذا إذا سقطت حلب وماذا بعد سقوط حلب... أكاذيب وأباطيل ودعايات في القنوات وعلى مواقع التواصل - الواتس والفيس وغيرها - حتى أحبطت كثيرا من النفوس الضعيفة، ثم جاء الحصار وحرب التجويع حتى يأس كثير من المجاهدين، بعد ذلك بدأت الحرب العسكرية.. 69000 عسكري من الميليشيات المجرمة والشبيحة مقابل 5000 مجاهد، وقد استفتحت المعركة بالبراميل والحاويات والصواريخ العنقودية والارتجاجية والفوسفورية والقذائف وغيرها.. أساطيل من البحار تسقط علينا صواريخ دمرت البنى التحتية والفوقية.. دمرت البيوت والمؤسسات والمساجد والعمارات.. لم يبق شيء.. الموت في كل مكان، والجوع فوق الجميع".
ويضيف الشيخ ألماز: "هل تعلم أنه سقط فوق حلب من القنابل والمتفجرات ما يعادل ثلاثة قنابل ذرية من قياس هيروشيما؟! قنبلة واحدة كاملة سقطت في الشهر الأخير من معركة حلب، علما أن الإمبراطورية اليابانية استسلمت في اليوم التالي بلا شروط.. ما تم تنفيذه في حلب هو سياسة الأرض المحروقة: يبدأ الهجوم على الحي بقصف مدمر له؛ ما يضطر المدافعين عنه للانسحاب منه مع عيالهم، وهكذا كانت المعركة في حلب.. استبسل الكثير من المجاهدين، واستشهد الكثير، وقتل الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ، وتخاذل البعض، وظن البعض أننا نخوض معركة خاسرة لا محالة والأجدر به أن يسحب قواته حفاظا عليها، وهكذا استبسل الكثير وخاضوا معركة الشرف في حلب، وتخاذل البعض.. خضنا معركة غير متكافئة.. خذلنا الكثير من المسلمين في الوقت الذي اجتمعت به علينا جيوش الظلم من كل أنحاء العالم في حرب عالمية قذرة".
ولماذا كل هذه الحرب على حلب؟
يرى الشيخ ألماز أن القوى المستفيدة من الصراع أرادت أن تكون حلب منحة للنظام بعد أن دفع ثمنها لبوتين - ولمن وراء بوتين - مليارات الدولارات وجزءاً كبيراً من المخزون الذهبي المودع في البنك الدولي، مضافا إليه ميناء طرطوس، مضافا عليه انتداب على سوريا مدته أكثر من خمسة وأربعين عاما، ويستطرد الشيخ ألماز قائلا: "لقد سلم بشار سوريا للانتداب الروسي من أجل حلب، علما أن الروس لم يسمحوا له بإلقاء خطاب فيها!".
أما أحمد العبسي المدير العام لمجلة (حبر)، فيرى في إجابته على السؤال نفسه أن ما حصل هو: "تسليم حلب وليس إعادة السيطرة عليها"، مشيرا إلى أن هذا "التسليم" بدا أمرا واقعا منذ إعادة حصارها.
ويضيف العبسي: "الطريقة التي تم بها الحصار الثاني على الرغم من أن السيطرة على الطريق لم تكن كاملة، ولكنها أمر يثير الاستغراب! الكلام كان حينها عن العمل على تأمين الطريق بشكل جيد، وجعله يمر من داخل المدفعية ورفع سواتر على جانبيه من أجل حمايته.. كان قد انتهى تقريبا، ثم يتفاجأ الجميع بسقوط الكليات الثلاث في يوم واحد، رغم أننا قد حصلنا مسبقاً على شهادات من العديد من المقاتلين أن وضع الكليات والطريق كان جيدا جدا حتى ظهيرة يوم السقوط الكامل".
ويواصل العبسي حديثه: "خلال ساعتين كان كل شيء قد انتهى فورا، وعاد حصار المدينة مرة أخرى، وغالب الظن أنها سلمت للنظام لأن قوى معينة لم تتمكن من السيطرة عليها، فكان الحصار الثاني بمثابة درس للقوى الأخرى والذي جاء بعده تسليم حلب كاملة".
ويؤكد العبسي أن معركة فك الحصار الثانية - التي فشلت بعد السيطرة على ضاحية الأسد ومنيان ومعمل الكرتون - كانت معركة مليئة بالعنجهية ومفتقرة للرؤية الاستراتيجية، كما يرى أنه "بالنسبة للإمكانيات المتاحة من سلاح ثقيل على الأرض ومفخخات فإن خوض معركة من هذا النوع هو أمر عبثي؛ فالنظام يعرف نقطة ضعفه القاتلة المتمثلة بالحمدانية 3000 شقة ومن الطبيعي أنه أعدها جيدا، فسقوط الحمدانية والأكاديمية كان يعني سقوط حلب كاملة".
ويضيف: "كان على الثوار أن يدركوا منذ اصطدامهم بقوة دفاعات النظام منذ المرة الأولى أن الخيار الأفضل هو التراجع عن المعركة لصالح معارك أخرى تكون فيها أسلحتهم أكثر جدوى، ومن تلك المعارك: معركة الكليات، ومعركة الكاستلو، ودعم معركة الشيخ نجار، ومدرسة المشاة التي يجب أن تنطلق من الداخل".
ويواصل العبسي: "فشلت المعركة وتحطمت إرادة التحرير فجأة.. وصار الكلام مباشرة عن الخروج اللائق بعد أن تقاتلت فصائل المدينة بما يكفي لجعل كل الجبهات الداخلية عرضة للسقوط".
ويُجمل أحمد العبسي أسباب سقوط حلب بأربعة أسباب هي: الاقتتال الداخلي بين فصائل المدينة، أوامر بالتسليم لبعض الفصائل، المذبحة التي رافقت صمود المدينة تحت وطأة الحصار، وجود عدد لا بأس به من مؤيدي النظام بين المدنيين والذين لعبوا دورا كبيرا في توهين العزائم ودفع الناس إلى ترك بيوتهم بعد إرسال تطمينات أن النظام لن يؤذي من يغادر إلى جهته، وآخر هذه الأسباب هو: الحصار.
متى كانت البداية الحقيقية لإعادة احتلال حلب؟
يقول أحمد العبسي مجيبا عن هذا التساؤل: "بحسب قراءتي فإن البداية الحقيقية لاحتلال حلب كانت منذ أن بدأت معارك الريف الشمالي وسقوط باشكوي وما عرف وقتها باستراتيجية "دبيب النمل".. كان هدف المعركة واضحا وقتها: فك الحصار عن نبل والزهراء، وقطع الطريق الشمالي عن حلب المدينة ليتبقى لها طريق واحد فقط من الجهة الغربية قبل أن تحاصر بالكامل، لكن من يعرف حلب يدرك أن طريق الكاستلو كان طريقا غير آمن منذ أن تم تحريره؛ لإطلال المليشيات الكردية عليه، وقربه من حندرات - المنطقة التي يتقاسم الثوار والنظام السيطرة عليها - ولم تكن حندرات مجهزة بشكل جيد للصمود، بينما كان التقدم باتجاه الكاستلو سهلاً لمن يمتلك الطيران؛ لأنه يقع في منطقة مكشوفة يصعب السيطرة عليها من الأرض فقط".
وأمام هذه التطورات هل كانت ردة فعل الثوار متناسبة معها؟!
ينفي العبسي وجود هذا التناسب، ويقول: "لقد كان التساهل دائما يحكم جميع الفصائل باعتبار أن هناك حلولاً بديلة، ولم يكن هناك سعي - على الإطلاق - لحل المشكلة قبل أن تقع - وهنا أقصد حصار حلب - ففي حصار حلب الأول كانت هناك معركتان يمكن خوضهما بسهولة، وكلاهما ذاتا بُعد استراتيجي حقيقي، الأولى باتجاه المنطقة الصناعية ومدرسة المشاة؛ ليكون الطريق القادم لحلب باتجاه مدينة الباب، وبالتالي الوصول إلى مناطق مشتركة مع درع الفرات، والذي قد يؤدي لسيطرة درع الفرات على المدينة، وهو ما جعل التيار الجهادي يبتعد عن هذه الخطة ويوهم الآخرين أنها صعبة وطويلة ومستحيلة، رغم أنها كانت أسهل من معركة الكليات، خاصة وأن من يسيطر على المشاة هي داعش، وبالتالي هناك دعم جوي يمكن أن تحظى به في هذه المعركة".
أما المعركة الأخرى فيكمل العبسي حديثه عنها قائلا: "هي التي حصلت بالسيطرة على العامرية ومعمل الإسمنت، لتنفتح طرق كثيرة يصعب بعدها حصار المدينة، وللأسف - كما رأيتم - لم تكتمل هذه المعركة، ولم تحقق أمان طُرقها وبُعدها الاستراتيجي، ولن أخوض في أسباب عدم اكتمال المعركة، ولكن سأكون واضحا وأقول إن من أهم هذه الأسباب هو الخلافات الفصائلية وحب التغول عند بعضها، والذي كان سببا رئيسيا لعدم اكتمال المعركة، إضافة للأسباب العسكرية الأخرى".

قسمة مستحيلة

رغم قوة وجود الثوار في حلب، وقدرتهم – بعد توفيق الله – على الدفاع عنها لسنوات، إلا أن المدينة شهدت تركيزا شديدا من قبل روسيا ومن معها، إلى أن سقطت.. فلماذا تم التركيز على حلب؟! أليست فاتورة مستحيلة كما سمعنا ذلك مرارا؟
يجيب العبسي: "حلب لم تكن فاتورة مستحيلة، بل كانت قسمة مستحيلة حقيقةً.. هذه المدينة لا يمكن أن تهدأ وهي منقسمة، كان لا بد أن تعود واحدة بشطريها، كنا نريدها لنا؛ لما لحلب من ثقل بالشمال وحمولة معنوية كبيرة، ولكن كانت لروسيا.. لروسيا القيصرية التي تخوض انتقاما تاريخيا مع حلب عندما عجزت الحملات الصليبية المتعاقبة عن إسقاط المدينة التي كانت البوابة التي حمت الشرق من أن يصبح مسيحيا كما قال أحد المستشرقين يومها.. حلب كانت وفية لنا بكل ما أوتيت من قوة.. صمدت صمود العظماء بانتظارنا.. بانتظار أن نكون نحن أهلها الذين يعانقون أرضها ويرتعون في أحضانها.. ولكننا خذلنا حلب.. خذلنا جميع من ضحى بروحه لكي ترسم الابتسامة على وجه هذه الفاتنة".
ويستطرد العبسي: "كان خذلانا صعبا بعد كل هذا الصمود والدماء، ولكنه درس كبير للتاريخ ولنا، عندما نختلف سنسقط حتى ولو كنا نسيطر على الأرض كلها ومهما بلغت قوتنا.. الأندلس حاضرة اليوم بجميع تفاصيلها..
حلب حكاية مفجعة ومبكية.. تلك العروس التي لم يكتمل زفافها وقُدمت لمغتصبها كهدية في ليلة العرس على سرير الشهوة للمصالح والمال والحياة العفنة".
اختُطفت العروس.. وثارت تساؤلات الناس شرقاً وغرباً، ولعل من أبرز التساؤلات التي جالت في خاطر كثيرين ممن يعيش خارج حلب: كيف عاش أهل حلب خلال السنوات الخمس الماضية؟ وما أشد ما وقع عليهم؟
يقول الشيخ ألماز كمُعايش لهذه الأحداث: "أشد ما وقع علينا في معركة حلب هو الحصار، أو شبح الجوع.. مرت علينا أيام كثيره من الحرمان.. البرد الجوع، وفوق هذا براميل الموت.. لا أظن أن بعد هذا الظلم ظلم.. أمضت الكثير من العائلات لياليها على العدس المطبوخ بالماء فقط وفوق رؤوسها - في الصباح والمساء - براميل الموت".

تهجير برعاية أممية

حلت الهزيمة، وتم تهجير أهالي الأحياء الشرقية من حلب، كانت مأساة تجري أمام العالم بأسره.. بل بمشاركته وإشرافه، وبتنفيذ مباشر من دولتين عضوين في هيئة الأمم المتحدة، هذا ما عايشه الجميع ويؤكده أحمد العبسي عندما سألناه عن دور النظام في هذا التهجير فقال: "الدور الرئيسي كان لروسيا وإيران وميليشياتها الطائفية، أما النظام فلم يكن موجودا حقيقة لا أثناء القتال ولا أثناء التفاوض".
هل جاء سقوط حلب حلقة في مسلسل التغيير الديموغرافي في الساحة السورية؟ وإذا كان كذلك: فكيف نوفق بين هذا الرأي وبين بقاء سكان الأحياء الأخرى دون تهجير؟
لا يعتقد العبسي أن التغيير الديمغرافي أمر مهم، ويقول: "هذه الأرض لم تتغير أبدا على الرغم مما مرت به على مر التاريخ، وعادت لأصالتها في كل مرة"، ويضيف: "إن نجحوا به فسيكون هناك قائد جديد كنور الدين الشهيد يعيد الأمور لنصابها، ولكن ما أخشى منه هو تغيير الثقافة، وهو ما يتم العمل عليه، وأن تكون منتميا لثقافة اخرى تنسف العقيدة والأخلاق والعادات والتقاليد كلها، عندها ستكون فارغا تماما، وهو أفضل ألف مرة من تهجيرك وجعلك عدواً خارج الحدود".

إيجابيات الخسارة

يقولون في العلوم العسكرية: "المعركة التي لا تقصم ظهرك تقويك"، فهل معركة حلب كذلك؟ ألا يمكننا استنباط بعض الإيجابيات من بين ركام هذه الخسارة الفادحة؟

يقول الشيخ محمد ألماز: "يكفينا فخرا أننا تخلصنا من حكم آل الأسد خمس سنوات، وأثبتنا للعالم أننا سوف نحكم بلادنا بأيدينا، إن لم يكن اليوم فغدًا بإذنه تعالى تشرق شمس الحرية في وطني ونتحرر من حكم المستبدين، ونحكم بلادنا بأنفسنا، ونرفع راية الإسلام الذي اخترناه نحن لأنفسنا".
وماذا عن الجهود العظيمة التي شهدتها حلب على مدى سنوات الحرية التي عاشتها على الأصعدة كافة: الدعوة، التعليم، الصحة، الإغاثة، المحاكم الشرعية... وغيرها.. هل ذهبت هذه الجهود أدراج الرياح؟
يقول الشيخ محمد ألماز: "لقد اجتهدنا في حلب لبنائها على أساس شرعي وعلمي، وما يهمنا من عملنا هذا هو العمل الذي يبقى عند الله، أما عند الناس فلا يهمنا أحد".
أما أحمد العبسي فيقول: "لو بقي لدي ثقة بالفصائل لكنت قلت لك إن ما جرى هو أفضل طريقة للسيطرة على المدينة، وإنها خطة محكمة لكي تنقذ الحاضنة وتخوض معركة بشراسة ضد عدوك".
ويضيف: "الإيجابية الوحيدة من خروج الناس هي حفاظنا عليهم.. أولئك الناس الذين عاشوا هذه المحنة سيكونون أقوياء بما يكفي لصناعة التغيير في أصعب الظروف يوما ما.. سيكونون نواة الجيش الذي سيقول (لا) لكل أولئك المتهاونين بهذه الأرض، وانتشارهم سيعني انتشار قناعاتهم التي أصبحت مسلمات بعد التجربة.. أعتقد أن سقوط حلب سيكون شرارة لصحوة عامة من غفلة القوة المتخيلة ببارودة صدئة.. وسنفهم جيدا كيف يمكن للسياسة أن تغير ما لا تغيره الطائرات والمدافع وجنون الموت.. حلب جديرة بأن تُحدث تغييرا حتى في سقوطها، وخذا ما نأمله ونعمل عليه نحن الذين نجونا من لذة الموت داخل أسوارها".