الجمعة 25 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 27 ديسمبر 2024 م
في السياسة الشرعية
الخميس 21 شوّال 1436 هـ الموافق 6 أغسطس 2015 م
عدد الزيارات : 3453

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن من أعظم علوم الشريعة الإسلامية علم السياسة الشرعية، وهو علم يعتني بالبحث فيما يختص بتدبير شؤون الدولة، ورعاية مصالح الناس الدينية والدنيوية.
وقد اشتملت النصوص الشرعية من قرآن وسنة على أصول هذا العلم، ووضعت أسسه وقواعده، ومن ذلك:
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً   (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 58-59].
وقوله صلى الله عله وسلم لعائشة رضي الله عنها: (لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَالَ: بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ، وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ) رواه البخاري ومسلم.
فاهتم أهل العلم بهذا العلم غاية الاهتمام، ووضعوا فيه المؤلفات العديدة، وبينوا قواعده وأصوله، وفصلوا أسسه وأحكامه، فكان مما اشتمل عليه هذا العلم العظيم:
- الأحكام السلطانية، ويقصد بها: النظام السياسي للحكم.
- حقوق الحاكم وواجباته.
- حقوق المحكوم وواجباته.
- العلاقات الدولية.

واتسعت المكتبة الإسلامية لتضم عشرات المؤلفات في السياسة الشرعية، كما حفلت أخبار التاريخ باحتساب أهل العلم على الساسة والحكام بمقتضى هذا العلم، علمًا أن الدول كانت حينذاك تحكم بشرع الله تعالى، وإن اعترى ذلك نقص، أو ظلم، أو انحرافٌ في بعض الأحكام.
ثم جاء العصر الحديث وتعرضت فيه الدول الإسلامية لاستعمار ظالم، وخلفها على البلاد حومات علمانية، فنُحّيت الشريعة عن مفاصل الحياة في كثيرٍ منها، وجعلت مكانها شريعة وضعية، فتنادى المصلحون إلى بيان أنه لا بد من العودة إلى الشّريعة في جميع مناحي الحياة السّياسية والتربوية والاقتصادية والإعلامية وغيرها، على مستوى الفرد والجماعة، ورافق ذلك اضطهاد وظلم من الأنظمة الحاكمة لهذه الدعوات الإصلاحية، مع محاولة تشويه وطعن في أصول الإسلام وأحكامه، ومن ذلك الطعن في علم السياسة الشرعية.
وإزاء هذا الظلم والاضطهاد، والجهل، والغلو المقابل لهما، انقسم الناس إلى أقسام:
- قسم أنكر أن يكون للسياسة علاقة بالدين، فاستجلبوا أحكامًا وأنظمة من الشرق والغرب وأرادوا فرضها على المسلمين بتبريرات شتى.
- وقسم سدِّ أبواب السياسة الشرعية؛ ظنَّاً منهم منافاتها لقواعد الشرع، وبحثوا أمور السياسة من منظور عقدي بحت، مع الشدة والقسوة في الأحكام، وجهل كثيرٍ بأحكام الدين، فوقعوا في الغلو المذموم، وحكموا على مخالفيهم بالخيانة والخروج عن أحكام الشرع.
- وقسم قابل ذلك التشدد بتفريطٍ وتهاون في الأحكام الشرعية، وإدخال الكثير من المخالفات باسم المصلحة والسياسة الشرعية.
فتولَّد من جميع ذلك شرٌ وفسادٌ، وجميع أولئك إنما أُتوا من تقصيرهم في معرفة حكم الله تعالى، وجهلهم بهذا العلم.
لذا فإن الاهتمام بهذا العلم، وإعادة تعليمه، ونشر الوعي به، والسعي لتطبيقه والعمل به، هو من أولى ما ينبغي على المسلمين عمومًا، والسوريين خصوصًا السعي لأجله؛ لعظيم أثره، وجليله عمله، كثرة الانحراف فيه.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
 

أبو عبيدة | سوريا - درعا
الثلاثاء 10 ذو القعدة 1436 هـ الموافق 25 أغسطس 2015 م
جزاكم الله خيراً 

كم نرجو أن تقام دورات مكثفة مدروسة من متخصيين
تخرِّج جيلاً واعياً 
ينشر هذا العلم
ويرد على الأصناف الثلاثة المذكورة
وينهض بهذه الأمة

بحق إنه واجب الوقت