الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
هل ينتصر الشعب الضعيف؟!
الخميس 21 صفر 1434 هـ الموافق 3 يناير 2013 م
عدد الزيارات : 19139

إن المتأمُّل في حال الأمة العربية والإسلامية، والناظر في قوتها وتأثيرها، يجدها ضعيفة، مستسلمة، منقادة للشرق أو للغرب، آراؤها مسلوبة، وحريتها مغصوبة، وتطلعاتها إلى العلا محجوبة، وأملها بفجر مشرق جريمة لا يجوز لها التفكير فيه!
فهل يمكن لهذا الكم الغفير من الشعب العربي والإسلامي أن يصعد سلَّم النصر، ويرتاد عروش العز والفخار، وينشر الخير الذي أُنزل من السماء إلى الخلائق من البشر، ويأمر بالمعروف ويسبق إليه، وينهى عن المنكر وينأى بنفسه عنه:{
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. آل عمران:112 ؟! 

هل يمكن لهذا الشعب الذي كثرت جراحاته، ودوَّت في أرجاء الكون صيحاته وصرخاته، فأطفاله يُذبَّحون ويُقتَّلون، ونساؤه تُرمَّل وتُهجَّر وتُؤْذى، وشبابه يُلاحقون  ويُطاردون، ومساجده تُقصف بالطيران والمدافع، ومخابز قُوتِهِ وطعامه تُدكُّ بالقنابل وبراميل البارود... هل يمكن لهذا الشعب أن ينتصر؟!

 


      تعالوا إلى كتاب ربِّ الأرض والسموات، وحديث نبي الهدى والرَّحمات، نستشرف الخبر، ونبحث عن الإجابة، ونتطلع إلى طريق النصر وسبيل العزِّ والتمكين:
إذا كنا شعباً، أذلَّه الطغاة، ونال من كرامته المجرمون، فإن الله -سبحانه وتعالى- نصر صحابة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهم قلة في وسط جمع غفير من الكفر والشرك والمنافقين واليهود، قال تعالى:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. آل عمران:123.
وإذا كنا ضعفاء، لا نأمن على أنفسنا، نتخوَّف ممَّن حولنا من المتربصين، من منافقين ملأ الحقد صدورهم، وكفار كشَّروا عن أنيابهم... فإن الله نصر هذه الأمة، وهي في وسط كلاب عاوية، وسباع ضارية، تَهِرُّ عليها من كل جانب، قال تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ، تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ، فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.الأنفال:26.
ولكن لا بدَّ لتحقيق النصر من أمرين اثنين هامين، يُبنى عليهما بقية الأسباب:
الأول: النية الصالحة، نية التشوُّق إلى النصر، نية رفع الظلم والظلمات عن الأمة، نية العمل إلى عودة الحياة الإسلامية إلى الواقع، نية نشر فكر الأمة العظيم ودينها الرفيع، نية الدفاع عن أعراضها وكرامتها، نية هداية العالم ودلالته على طريق النجاة من عذاب يوم القيامة؛ لأن الأعمال منوطة بالنيات... وإنما الأعمال بالنيات.
الثاني: بذل أقصى الوسع في تهيئة أسباب النصر، والعمل الجاد والدؤوب على تحقيق ذلك: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ، لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ، وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}.الأنفال:60. والقوة تعني: الرمي كما فسَّرها النبيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم، وبناء الحصون كما ورد عن عكرمة، وهي العدة والسلاح كما جاء عن مقاتل والسدِّي وغيرهما. وهي الثقة بالله كما قال أبو علي الروذاباري.
ولنكن على انتباه: أن الله -جلَّ وعلا- لم يقل لنا:(أعدوا من القوة والعتاد ما تنتصرون به)، إنما قال:{مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، فعلينا أن نبذل ما استطعنا واقتدرنا عليه من بناء القوة من: التجهيزات المادية والمعنوية، والعسكرية والإيمانية، والجسدية والخُلُقية... وندع الباقي على الله سبحانه وتعالى، وسيأتي الجواب -بإذن الله ومشيئته- :{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}.آل عمران:151.

المقالات المنشورة هي لأعضاء الهيئة، وتعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة