الحث على صلاة العيد:
ورد في سنَّة النبي _صلى الله عليه وسلم_ التأكيد على حضور المسلمين لصلاة العيد، حتى من كان من عادته ألا يخرج من بيته كعادة النساء الأبكار في ذلك الوقت، أو لا تصح منه الصلاة كالمرأة الحائض؛ لما في صلاة العيد من الخير والأجر العظيم، فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْها_ قَالَتْ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الْفِطْرِ وَالأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ) متفق عليه.
والمرأة العاتق: البكر التي لا تخرج من بيتها كثيرًا. وذات الخدر: المستترة في بيتها.
فإذا كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ قد أمر النساء اللاتي لا يخرجن عادة، والنساء اللاتي لا تجب عليهن الصلاة الخروج لصلاة العيد: فيدلُّ على التأكيد على الرجال لحضورها من باب أولى.
أحكام صلاة العيد:
1_ يُسَنَّ قبل الخروج إلى صلاة العيد أكل تمرات وِترًا؛ إثباتًا للفطر في هذا اليوم؛ لأنه لا يجوز الصيام فيه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ) رواه البخاري، فإن لم يجد تمرات فعلى أي طعامٍ يجده.
2_ يُستحب الخروج للصلاة ماشيًا، وأن يذهب من طريقٍ ويعود من آخر؛ لتكثير الخُطى، وإفشاء السلام بين المسلمين، وشهادة تلك الطرق له بالخير، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) رواه البخاري.
3_ الأصل أن تُصلّى صلاة العيد في المصلّى خارج البلدة، فإن تعذَّر ذلك أو شقَّ على الناس، أو لم تتوافر هذه المصليات جازت الصلاة في المساجد.
4_ فإذا حضر الشخص للمصلى جلس دون صلاةٍ قبل العيد، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ يَوْمَ أّضْحَى أَو فِطْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلاَ بَعْدَهُمَا) رواه مسلم، وقال بعض أهل العلم: إذا كانت صلاة العيد في المسجد فلا بأس أن يصلي الشخص تحية المسجد.
وقت صلاة العيد:
تُشرع صلاة العيد بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار رمح، وتُصلى دون أذان ولا إقامة.
صفة صلاة العيد:
وهي ركعتان، يُكبِّر فيها الإمام قبل قراءة الفاتحة في الركعة الأولى سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام، مع رفع اليدين مع كل تكبيرة، فعن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ _رضي الله عنهما_ قَالَ: قَالَ نَبيّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (التَّكْبِيرُ في الْفِطْرِ سَبْعٌ في الأُولَى وَخَمْسٌ في الآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا) رواه أبو داود.
وقد كان _صلى الله عليه وسلم_ يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يُحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات.
1_ كما يُستحب في العيد أن يقرأ الإمام بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية)، أو (ق والقرآن المجيد) و(اقتربت الساعة وانشق القمر)، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2_ ويُسنُّ للمسلم بعد الانتهاء من الصلاة الاستماع للخطبة؛ لما فيها من الخير والأجر.
فوات صلاة العيد:
1_ من فاتته ركعة مع الإمام فيقضي ركعة بتكبيراتها، ومن أدرك الإمام في التشهد فيقضي ركعتين بتكبيراتهما.
2_ إن لم تُصَّل صلاة العيد جماعةً في وقتها لسببٍ كالخوف من عدوٍ: فيجوز أداؤها في اليوم الثّاني، وتُصلَّى جماعة مع الخطبة.
3_ إذا أُقيمت صلاة العيد في البلد وفاتت بعض الأفراد: فجمهور أهل العلم على أنَّها تُقضى، ومن قضاها فإنَّ يُصليها دون خطبة، والأكثر على أنَّه يصليها ركعتين على صفتها، وقيل يصليها أربعًا، ويصح قضاؤها فرادى أو جماعة.
مُستحبات يوم العيد:
يُستحبُّ للمسلم يوم العيد عدة أمور، من أهمها:
1_ الاغتسال والتَّطيب، ولبس أجمل الثياب، فعَنِ الْحَسَنِ بن عَلِيٍّ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما_ قَالَ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدِ مَا نَجِدُ).
لكن لا يجوز للمرأة أن تُبدي زينتها، أو أن تتعطر وقت الخروج للصلاة، فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلاَتٌ) رواه أبو داود، وأحمد، ومعنى تفلات: غير متطيبات ولا مُتبرِّجات بزينة.
2_ التكبير من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الصلاة.
والأمر في صيغة التكبير واسع، وأصح ما ورد فيها عن الصحابة رضي الله عنهم قول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، وقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
ويُسنّ الجهر به ورفع الصوت للرجال، فَعَنْ نَافِع عَن ابنِ عُمر رضي الله عنهما: "أنَّه كانَ إذا غَدا يوم الأضحى ويوم الفطر يَجْهَرُ بِالتّكبيرِ حتى يَأتيَ المصلّى، ثُم يكبر حتى يأتيَ الإمام) أخرجه الدار قطني.
أما النساء فلا يرفعن أصواتهنَّ به.
ولا يشرع تعمد التكبير الجماعي كأن يكبّر شخص ويتبعه البقية، لعدم ورود ذلك عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وصحابته، فإن اتفقت أصوات الناس في التكبير فلا حرج، ولا يتعمد المخالفة.
3_ كثرة ذكر الله _تعالى_ على ما أتمَّ به صيام الشهر الفضيل، قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
4_ التوسعة على النفس والأهل بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من تَعب العبادة، فإظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين.
5_ تبادل التهنئة مع بقية المسلمين، وقد كان الصحابة _رضي الله عنهم_ إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تَقَبَّل الله منَّا ومنك، والأمر في عبارات التهنئة واسع، فلو قال: عيد مبارك، أو تقبل الله طاعتكم وصيامكم، أو كل عام وأنتم بخير، ونحو ذلك فكلها حسنة.
الاحتفال بالعيد في الظروف الحالية
يأتي عيد الفطر لهذا العام وبلادنا المباركة تئن تحت إجرام النظام الفاجر، وللمسلمين معه في كل يومٍ مآسٍ وتضحيات، ومع ذلك: يُشرع للمسلمين إظهار الفرح بتمام العبادة في شهر رمضان، والتوسعة على أنفسهم وأهليهم، لكن من غير مبالغة بما يؤذي مشاعر المتضررين لاسيما من فقدوا أقاربهم.
ويشرع للقادرين تفقد أحوال إخوانهم، ومواساتهم رجالاً ونساء وأطفالاً، بحسب القدرة والاستطاعة.
كما أنَّه ينبغي على السوريين خارج سورية مشاركة إخوانهم المرابطين في الداخل بالتوسعة عليهم، والإحسان إليهم، وعدم المبالغة في الانغماس بالاحتفالات بالعيد في البلاد التي يقيمون فيها.
ولا يُشرع في هذه الأوقات تعمُّد الحُزن في العيد في اللبس أو المطعم أو المشرب كما يُفعل في العزاء؛ لما فيه من مخالفة مقصود الشارع من العيد
نسأل الله _تعالى_ أن يكتب لنا في هذه الأيام المباركة الفضيلة النصر على الأعداء، والفرج والنصر والتمكين لعباده المجاهدين، والحمد لله رب العالمين.