الثلاثاء 1 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 3 ديسمبر 2024 م
الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية
الاثنين 24 ربيع الآخر 1440 هـ الموافق 31 ديسمبر 2018 م
عدد الزيارات : 83428

 

الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية

 

الثوابتُ والمتغيراتُ في الشريعة الإسلامية من الشّعارات الكبيرة التي أُطلقت في فضاء الساحة الإسلامية، واستغلها كثيرٌ من أصحاب الأهواء والانحراف والضلال في نسف الأحكام الشرعية، بحجة أنها من المتغيرات وليست من الثوابت!.

وينبغي أن نعلم قبل أن نلج في خضم هذا البحث: أنَ هذا الشعار بهذه الطريقة لم يعرفه السلف ولا العلماء المحققون، لأنه من الألفاظ المجملة الموهمة التي يتطرق إليها الحق والباطل.

وليس معنى ذلك أن بعض الأحكام لا تتغير بتغير متعلقه من علّةٍ أو عرفٍ أو نيّةٍ، مما هو معلوم عند علمائنا.

ولكن إطلاق هذا العنوان بهذا الاتساع، وخاصة من أهل الأهواء بدعةٌ وضلالةٌ وانحراف، كشأن الأقدمين من الأهواء عندما كانوا يُطلقون ألفاظاً مجملةً في حق الله والدين؛ ليتوسلوا بذلك إلى نسف الثوابت من أمور الاعتقاد والشريعة.

وبعد هذه المقدمة المختصرة نلج إلى تفاصيل هذا العنوان من خلال التفصيل التالي:

أولاً: الثابت في اللغة

جاء في "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس مادة (ثبت):" الثاء والباء والتاء كلمة واحدة، وهي دوام الشيء، يقال: ثبت ثباتاً وثبوتاً، ورجل ثبت وثبيت".

وقال في"لسان العرب":" ثَبَتَ الشيءُ يَثْبُتُ ثَباتاً وثُبوتاً فَهُوَ ثابتٌ وثَبِيتٌ وثَبْتٌ، وأَثْبَتَه هُوَ، وثَبَّتَه بِمَعْنًى. وَشَيْءٌ ثَبْتٌ: ثابتٌ".

فالثابت في اللغة هو: الراسخ والمستقر, وغير المتحرك, والمقرر, والمؤكد, والذي لا يتغير, فلا يؤثر في ثباته زمان ولا مكان, إذ التغير ليس من شأنه ولا من وصفه.

والمتغيّرُ في اللغة عكسه، فهو اسم فاعل من تغيّر الخماسي، ومعناه تحوَّل، ويقال: غيَّره إذا جعله غير ما كان وحوّله وبدَّله.

 

ثانياً: وأما التعريف الاصطلاحي عند المعاصرين فيرجع في جملته إلى تعريفات ثلاث:

فيعرفون الثوابت بالقطعيات والمتغيرات بالظنيات، أو الثوابت بالمجمع عليه، والمتغيرات بالمختلف فيه، أو الثوابت هي الأصول والمتغيرات الفروع.
وكلُّ ذلك لا نقل فيه معتمد عن متقدم أو متأخر من أهل العلم الراسخين.

ومهما يكن من شأن هذه التعريفات فينبغي أن نعلم أن الخطورة ليست في الاصطلاح نفسه في غالب الأمر، بل بما يرتب على هذا الاصطلاح من أحكام!.

فعلى سبيل المثال، تجد أن العلماء قبلوا تقسيم الحديث النبوي إلى متواتر وآحاد من حيث الجملة، ولكن رفض أهل السنة ما رتبه أهل البدعة على هذا الاصطلاح، حيث قالوا: لا يحتج بالعقائد إلا بما تواتر من الحديث !! وهذا بدعةٌ محدثةٌ أحدثها المتكلمون من المعتزلة وسار وراءهم ثلة من الفقهاء والمتكلمين.

ومثل ذلك في تقسيم الدين إلى أصولٍ وفروعٍ، فإنك تجد أنَّ العلماء استخدموا هذا الاصطلاح، ولكن رفضوا ما رتبه أهل الأهواء عليه من أحكام.

فلما يقال: إنَّ هناك في الشريعة متغيراً بسبب الزمان والمكان، ومن ثَمَّ لا يلزمنا الاحتكام إلى ما جاء فيه من الوحي وما كان عليه السلف، وإنما الحكم في ذلك لما يختاره الناس مما يناسب واقعهم وحالهم!!.

فلا شك أنَّ هذا الكلام ضلالٌ وخروجٌ عن الدين الذي يجب أن يكون حاكماً في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياة الناس.

 

ثالثا: وقبل الخوض في هذا العنوان بعمق، لابدَّ من توضيح أصولٍ وقواعدَ تتعلق بديننا العظيم الثابت المستمر إلى يوم القيامة:

1- ديننا ثابتٌ لايتغير، فهو شجرة ثابتة الأصول مرتفعة الفروع ،كما قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24- 25].

2- وديننا كاملٌ لا نقص فيه، ولا زيادة ولانسخ بعد كماله، وما انتقل النبيصلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا وقد بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأكمل الله به الدين وأتم به النعمة،كما قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

وهذا الكمال له ميزتان: الصدقُ في الأخبار، والعدلُ في الأحكام، كما قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [الأنعام: 115].

3- وهذه الشريعة شاملةٌ قد استوعبت الزمان والمكان والناس، فهي تخاطب جميع الخلق من الجن والإنس  على اختلاف ألوانهم وألسنتهم، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" وأُرسِلْتُ إلى الخلق كَافَّة".

وهي مستوعبة لجميع النوازل والأحكام على اختلاف الزمان والمكان، إما تفصيلاً وإما تأصيلاً ،كما قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89].

وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:" وقد تَرَكْتُ فيكم ما لن تَضِلُّوا بعده، إِن اعتصمتم به، كتاب الله".

وصلاحُ الشريعة الإسلامية لكلِّ زمان ومكان، دليلٌ على مرونتها حيث تساير أحكامها مختلف الأحوال دون حرج ولا مشقة ولا عسر.

4- والتشريع حقٌّ إلهي فلا يرجع فيه إلى العقول والأذواق والأهواء، قال تعالى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } [الأنعام: 57]، وقال أيضا:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]، وقال أيضا:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الشورى: 21].

وقال تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 49، 50].

 

رابعا: والتغيّرُ في الأحكام الشرعية يأتي من جهتين:

الأولى: من جهة المنظور فيه.

الثانية: من جهة الناظر.

أما التغيّرُ من جهة المنظور فيه: فهي الأحكام الشرعية المتعلقة بمتغير فتتغير بتغيره، وهذا الذي قال فيه العلماء:" إن الفتوى تتغير بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد".

قال ابن القيم في"إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان"(1/ 570):" الأحكام نوعان:

نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة، ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرَّمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك. فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولااجتهاد يخالف ما وُضع عليه.

والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانا وحالاً، كمقادير التّعْزيراتِ، وأجناسها، وصفاتها؛ فإن الشارع يُنوِّعُ فيها بحَسْبِ المصلحة" انتهى.

وأما التغير بحسب الناظر فهو المجتهد المؤهل الناظر في النصوص، فيختلف اجتهاده في المسألة الواحدة بحسب ما جَدَّ له من نصوص وقرائن فيتغير اجتهاده.

وفي رسالة عمر رضي الله عنه المشهورة إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال له:" ولا يمنعنك قضاءٌ قَضيتَ به اليوم فراجعت فيه رأيك وهُديت فيه لرُشْدك أن تُراجعَ فيه الحق، فإنَّ الحق قديم، ولا يبطله شيءٌ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".

قال ابن القيم في"إعلام الموقعين"(2/ 206) شارحاً لهذه الجملة:" يريد أنك إذا اجتهدت في حكومة ثم وقعت لك مرة أخرى فلا يمنعك الاجتهاد الأول من إعادته، فإنَّ الاجتهاد قد يتغير، ولا يكون الاجتهاد الأول مانعًا من العمل بالثاني إذا ظهر أنه الحق، فإنَّ الحقَّ أولى بالإيثار؛ لأنه قديمٌ سابقٌ على الباطل، فإن كان الاجتهاد الأول قد سبق الثاني والثاني هو الحق فهو أسبق من الاجتهاد الأول، لأنه قديم سابق على ما سواه،ولا يبطله وقوع الاجتهاد الأول على خلاف، بل الرجوع إليه أولى من التمادي على الاجتهاد الأول.

قال عبد الرزاق: حدثنا مَعْمر، عن سِماك بن الفَضْل، عن وهب بن مُنبِّه، عن الحكم بن مسعود الثقفي قال: قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأبيها وأمها وأخوتها لأمها، فأشرك عمر بين الإخوة للأم والأب والإخوة للأم في الثلث، فقال له رجل: إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا، قال عمر: "تلك على ما قضينا يومئذٍ، وهذه على ما قضينا اليوم"؛ فأخذ أمير المؤمنين في كلا الاجتهادين بما ظهر له أنه الحق، ولم يمنعه القضاء الأول من الرجوع إلى الثاني، ولم ينقض الأول بالثاني؛ فجرى أئمة الإسلام بعده على هذين الأصلين" انتهى.

والمرجعُ في كلّ ذلك الى الشرع، فالنازلة إذا تغير متعلقها يتغير حكمها حسب الشرع، وليس حسب الأهواء، والمجتهد الناظر في النصوص يتغير اجتهاده بحسب ما يظهر له من النصوص لا من عقله وهواه. والقاعدة عند العلماء: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وقبل ذلك قول الله تعالى:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النساء: 59].

 

خامسا: وثوابت الدين مراتب:

- أعظمها ما كان مشتركا بين جميع الأنبياء من التوحيد ومايتبع ذلك من الأصول التي لم يختلف حكمها باختلاف الأحوال والأزمان، ولم يجر فيها النسخ والتبديل أبداً، فهي ثابتة قبل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في جميع الشرائع، كالتوحيد وأصول المحرمات والمعاملات والأخلاق والآداب.

- ثم الثوابت في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الثوابت هي ما عبّر عنها شيخ الإسلام ابن تيمية بالشرع المُنَزّل،

حيث قال في"مجموع الفتاوى" (11/ 506):" فلفظ الشرع قد صار له في عرف الناس ثلاث معان: الشرع المنزل، والشرع المؤول، والشرع المبدل.

فأما الشرع المنزّل: فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة، وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه، وأفضل أولياء الله أكملهم اتباعا له، ومن لم يلتزم هذا الشرع أو طعن فيه أو جوّز لأحد الخروج عنه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.

وأما المؤول: فهو ما اجتهد فيه العلماء من الأحكام، فهذا من قلَّد فيه إماما من الأئمة ساغ ذلك له، ولا يجب على الناس التزام قول إمام معين.

وأما الشرع المبدَّل: فهو الأحاديث المكذوبة، والتفاسير المقلوبة، والبدع المضلة التي أدخلت في الشرع وليست منه، والحكم بغير ما أنزل الله. فهذا ونحوه لا يحل لأحد اتباعه"انتهى.

 

سادسا:واتجاهات الناس في مسألة الثابت والمتغير في الدين بين إفراط وغلو في توسيع دائرة الثابت، وبين تفريط وجفاء عن الثابت في تقليصه إلى درجة الإلغاء والإلحاد.

1- اتجاه التفريط، وهو الاتجاه المقتحم للثوابت بين مقل ومكثر والذي يبالغ في التوسع والتساهل، مع التضييق لمساحة الثوابت.

وهؤلاء طبقات:

- منهم من يجعل العقائد والعبادات باقية على الثبات! أما الأحكام الشرعية فيجعلونها من المتغيرات ويقولون الشريعة ثابتة والحياة متطورة!! ولا يفي الثابت بحاجة المتطور!! فلا بدَّ من تحريك محتواها، فلا نأخذ حرفيتها وإنما مقاصديتها!!.

ويقولون: إن أحكام الشريعة لم تشرع إلا لتحقيق مقاصدها، فأحكام الحدود مثلاً لم تشرع إلا لردع مقترفي المعاصي، ومنع الربا لم يشرع إلا لتحقيق مقصد العدالة، وهكذا الأمر في كل حكم من أحكام الشريعة بحيث لا تحمل هذه الأحكام قيمة في ذاتها، وإنما فقط في مقاصدها.

- ومنهم من يبالغ في نسف الثوابت فيوسع دائرة التشكيك حتى يصل إلى العقيدة، ويطعنون بالسنة، ويحرفون معاني القرآن على غير ما أجمع عليه المسلمون في القديم والحديث.

وهم بذلك سائرون على طريقة أساتذتهم من ملحدي الغرب والشرق والذين يؤمنون بفكرةالتغيّر المطلق التي انبنت عليها الفلسفة الغربية في تقديرها للطبيعة كما بدا في نظرية التطور، فهذه الفكرة حملها أصحاب هذه القراءة ليسقطوها على النص الديني، ذاهبين إلى أن النص لا يحمل قيماً موضوعية ثابتة، وإنما قيمة كلها متغيّرة بتغيّر الظروف والأوضاع.

وهذا هو مذهب قديم عند الفلاسفة الغربيين، وتأثر به بعض المنظرين الحداثيين.

وهذا المبدأ الذي يكاد يستفرد برأس الهرم في المنظومة الحداثية ويشكل البعد المعرفي الأكثر عمقا وتقديسا في المشروع الحداثي.

يقولون: لابدَّ من التفريق بين إسلام الرسالة وإسلام التاريخ ويقولون ان القران مغلق لدينا نحن المعاصرين وما كان عليه السلف انما هو تجربة مثالية خاصة.

وقد اعتمد الخطاب الحداثي على نظرية المقاصد لتأصيل مسألة التاريخية.

2- اتجاه الإفراط، وهؤلاء هم المبالغون في توسيع نطاق الثوابت، وهؤلاء هم أهل البدع الذين يجعلون المختلف فيه كالمجمع عليه ويوالون ويعادون فيه، بل يبتدعون البدع الاعتقادية والعملية فيجعلونها من أصول الدين فيكفرون ويبدعون المخالف في ذلك.

كالجهمية والمعتزلة الذين عطلوا الصفات فجعلوه دينا وتوحيدا.

والجبرية والقدرية الذين ابتدعوا في القدر وجعلوه من أصول الدين.

فإذا أنكرت شيئا من ذلك يقال لك قد أنكرت اصول الدين.

ومنهم الرافضة الذين جعلوا الإمامة والعصمة والولاية من أصول الدين وأركانه.

وقد أنكر ابن تيمية على أهل الكلام إطلاق اسم أصول الدين على ما ليس من أصوله، قال في"مجموع الفتاوى" (4/ 56):" وهذا كما أنَّ طائفةً من أهل الكلام يسمي ما وضعه " أصول الدين "، وهذا اسم عظيم، والمسمّى به فيه من فساد الدين ما الله به عليم. فإذا أنكر أهل الحق والسنة ذلك قال المبطل: قد أنكروا أصول الدين، وهم لم ينكروا ما يستحق أن يسمى أصول الدين وإنما أنكروا ما سماه هذا أصول الدين، وهي أسماء سموها هم وآباؤهم بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، فالدين ما شرعه الله ورسوله، وقد بيَّن أصولَه وفروعَه، ومن المحال أن يكون الرسول قد بيَّن فروع الدين دون أصوله!"، انتهى.

 

 

 

 

المقالات المنشورة هي لأعضاء الهيئة، وتعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة