الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
1- كلمة المنهج لغة جاءت من مادة نهج ينهج نهجاً، وهو الطريق البيّن الواضح، ويطلق على الطريق المستقيم، والمنهجُ والنهجُ والمنهاجُ بمعنى واحد، وفي التنزيل قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة: 48]، قال ابن عباس رضي الله عنهما : سبيلاً وسنة. وقال الحافظ في " الفتح " [1/48] : ( والمنهاج : السبيل , أي الطريق الواضح ) .
2- وأما في الاصطلاح فالمنهج : هو السبيل الذي تسير عليه الطائفة المنصورة لتحقيق الغاية التي خُلِقَ من أجلها البشر .
وله إطلاقان : عام وخاص ، فالعام هو الإسلام كله ، وأما الخاص فيتعلق بالطريقة التي يسلكها المسلمون لإعادة حكم الله في الأرض.
3- والسير على المنهج الحق يثمر بإذن الله عز وجل التمكين والاستخلاف لهذه الأمة ؛ فالسير على المنهج يعصم من الانحراف والضلال والهزائم المؤلمة ويثبت الحق في النفوس وفي الأرض حتى يأذن الله بالنصر والتمكين .
فالسير على المنهج هداية ورحمة وبشرى للسائرين في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل : 89]، وقال تعالى : {قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدىً وبشرى للمسلمين } [النحل : 102] .
4- ومن هنا يتبين لنا خطورة الانحراف عن المنهج، ويكفي في ذلك , أنه عصيان لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وانحراف عن سبيل المؤمنين الأولين قال تعالى : {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى , ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيراً } [النساء : 115] .
وتبدو الخطورة واضحة , في أفعال الخارجين عن المنهج، فالخوارج تقربوا إلى الله عز وجل بقتل أفضل البشر في عصره وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمعتزلة من الخلفاء والعلماء تقربوا إلى الله بقتل أحمد بن نصر المروزي، وتعذيب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، والأمثلة كثيرة في القديم والحديث.
إن الخطأ في قضية منهجية، أعظم من الخطأ في مسألة فقهية فرعية، فقد يشذُّ العالم بفتوى , وهو فيها مأجور لاجتهاد، ولكن لا يترتب على هذه المسألة فتنة أو فساد، ولكن لو أخطأ العالم في قضية منهجية فقد يترتب عليها مفاسد عظيمة من قتل وتشريد وانحسار في الدعوة، ومن هنا تجد هذه الآثار الخطيرة في العالم الإسلامي إنما هي من آثار فتوى في قضية منهجية ممن لم ترسخ قدمه في أرض العلم، وقلما تجد العلماء الراسخين يقعون في مثل هذا .
ولقد كان السلف يحذرون من علم الكلام ويقولون : لأن يقال لك أخطأت، خير من أن يقال لك كفرت ؛ ولأن يقال لك الآن أخطأت خيرٌ من أن يقال : ضللت، وسفكت دماء المسلمين . بل لأن يقال لك : مخذل مثبط مداهن ، خير من أن تجعل دماء المسلمين في عنقك .
5- وأما مصادر المنهج فهي كتاب الله عز وجل، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة ثم فهم سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
والكتاب والسنة كافيان في كل صغيرة وكبيرة تهم هذه الأمة في مسيرة حياتها , وذلك لأن الله ( قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بأفضل المناهج والشرع ) .
ثم القواعد الجامعة التي سطرها السلف الصالح بسيرتهم القولية والفعلية .
والأدلة واضحة وبينة في كفاية منهج رب العالمين عن طرق ومناهج المُحْدَثين المنحرفين عن منهج رب العالمين , وطريقة السلف الأكرمين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين .
6- والمنهج يقوم على أساسين عظيمين: الأول :العلم، الثاني: الاتباع وذلك لقول الله تعالى : {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } [ يوسف : 108]، فكل السبل مسدودة إلا السبيل التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده من السلف الصالح , فهم يدعون إلى الله عز وجل لا يدعون إلى غيره من الشركاء إن كان صنماً أو وثناً أو رجلاً أو حزباً أو جماعة, وهذه الدعوة على بصيرة، أي على علمٍ وثبات، فالعلم يعطيك سلامة الاعتقاد، والاتباع يعطيك السلامة في الطريق والمنهج .
فالاعتقاد هو الركيزة الأولى التي ينطلق منها المسلم إلى غايته المرجوة، ثم كان لا بد للسالك من طريق، فإن لم تكن سليمة فستؤدي به إلى الانحراف و الضياع والضلال عن الهدف فلذلك قال تعالى : {فاستقم كما أمرت} [هود : 112] , وقال أيضاً : {فاستقيموا إليه} [فصلت : 6]، وقال صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم ).
فأيها المسلم : استقم كما أمرت، كما أمرك الله عز وجل، وأمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا كما أمرك به عقلك أو فكرك أو وجدك أو ذوقك أو شيخك أو حزبك أو جماعتك .
7- وأما أسباب الخروج عن المنهج فهي كثيرة جداً، ولكنها ترجع إلى سببين رئيسين : الأول: سوء الفهم، الثاني: سوء القصد
فسوء الفهم؛ هو الجهل الذي ينتج عنه التأويل والتحريف. وسوء القصد : الذي ينتج عنه اتباع الهوى والعاطفة والمصالح غير المعتبرة .