الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
المشروع الإسلامي و المشروع الوطني
الخميس 16 محرّم 1437 هـ الموافق 29 أكتوبر 2015 م
عدد الزيارات : 41537

المشروع الإسلامي والمشروع الوطني

د. معن عبد القادر

 

قال لي صاحبي ونحن نتحاور في أحوال الثورة السورية وما آلت إليه، وفي الواجب في هذه المرحلة: الثورة الآن بحاجة إلى مشروع وطني لا مشروع إسلامي.

وعبارته بالنسبة لي واضحة جليّة، فالمشروع الوطني هو المشروع الجامع الذي تتفق عليه جميعُ المكوّناتِ الوطنية المؤثّرة أو جلُّها، ويُشَكِّل القاسمَ المشتركَ لمطالبها، ويكونُ عادةً دون طموحِ جميعهم، لكنّهم يتوافقون عليه لأنَّه الأمر الـمُمكن، ويحققُ لهم مصلحة مشتركة.

بينما المشروع الإسلامي هو الذي يكون فيه السلطان للشريعة في كل شؤون الحياة، في الحكم والاقتصاد وشؤون المجتمع والعقوبات وعلاقة المسلمين بغيرهم، كما هو الشأن في الخلافة الإسلامية الراشدة، وليس معنى هذا أن يظلمَ المشروعُ الإسلامي بعضَ مواطنيه أو يغمطَهم حقوقهم، بل لا يكون المشروع إسلامياً حقاً حتى يحكمَ بالعدل بين الجميع، ويعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.

كلُّ هذا مفهومٌ وجليّ، لكن هذا التقابل والتضادّ في الإشارة إلى المشروعين "مشروع وطني لا مشروع إسلامي" ربما كان السببَ وراء رفض البعض لفكرةِ المشروع الوطني ومحاربته، ومحاولات الغلاة لتشويه صورة الـمُطالِبينَ به وتخوينِهم والطعنِ في ديانتهم.

ذلك أن العبارة قد توحي لبعض البسطاء ولمن يريد أن يصطادَ في الماء العكر بأن المشروعَ الوطني هو مخالفةٌ لدين الإسلام وخروجٌ عنه، كما يقال: "بنك إسلامي" في مقابلة البنك الربوي، و"ذبح إسلامي" في مقابلة الـمَيْتة!

وهذا فهم باطل؛ فالمشروع الوطني إذا كان عملاً بالقدر المستطاع، وسكوتاً عما لا يستطاع - دون النصِّ على إسقاطِه من الدين - فهو معتبر شرعاً. إذ إنَّ العمل على قدر الوسع أصل ثابت من أصول الشريعة دلَّت عليه محكمات النصوص:

{لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

{فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ}

(فما أمَرْتُكم مِن شيءٍ فأتوا منه ما استطَعْتُم)
(مَن رأى مِنكُم مُنكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ)

والتكاليف الشرعية لا تتوَجَّه إلا على القادر.

قال شيخ الإسلام: "ولا يكون ذلك - أي السكوت عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه أو عمله إلى وقت الإمكان- من باب إقرار المحرمات وتركِ الأمر بالواجبات، لأنّ الوجوبَ والتحريمَ مشروط بإمكان العلم والعمل".

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسير سورة هود، في جملة الفوائد من قول شعيب عليه السلام {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَـٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ}: "ومنها: أنَّ من قام بما يقدرُ عليه من الإصلاح، لم يكن ملوماً ولا مذموماً في عدم فعله ما لا يقدر عليه"، وقال في موضع آخر: "إنْ أمكن أنْ تكون الدولةُ للمسلمين وهم الحُكَّام، فهو المتعيِّنُ، ولكنْ لعدمِ إمكان هذه المرتبةِ فالمرتبةُ التي فيها دفْعٌ، ووقاية للدِّين والدُّنيا مُقدَّمةٌ".

فالمشروع الوطنيُّ له شَرعية إسلاميةٌ طالما كان هو الممكنُ والمستطاع، والإنكار عليه غلوٌّ وتنطُّع وليس من الإسلام في شيء!

بل أزيد فأقول: إنَّ إلحاق وصف "إسلامي" بالأشياء؛ كمشروع إسلامي، وحجاب إسلامي، ومدرسة إسلامية، لم يكن في حضارتنا إلى وقت قريب، ومع أنه لا مشَاحة في الاصطلاح؛ لكن إذا كان الاصطلاح سيشوِّش على أفهام الناس فيجب أن نكون حذرين في استخدامه.

وقد تتفاوتُ اجتهاداتنا في تقديرِ القدر المستطاع في المشروع الوطني، لكن مثل هذا التفاوت – مع التسليم بالأصل- لا يؤدي إلى التخوين والاتهام في الدِّين، فضلاً عن التكفير واستحلال دماء المخالفين.

والله أعلم.      

المقالات المنشورة هي لأعضاء الهيئة، وتعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة
ابو صهيب | turkie
الجمعة 17 محرّم 1437 هـ الموافق 30 أكتوبر 2015 م
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه وبع
جزاكم الله خيرا ولكن:

ان قولكم انه فهم باطل ليس بدقيق. وقد رددتم عليه بانفسكم عندما اعتبرتم ان التماشي معه من باب ان لا مستطاع غيره .او انه بعبارة اخرى افضل الموجود
والافالتجربة العمليه لهذين المش وعين لها سابقة مثال عندما طرح السلطان عبد الحميد مشروع الجامعة الاسلامية وطرحت من المعارضات في ذلك الوقت
المشاريع القومية والوطنية 
وهذا الواقع التاريخي اثبت التضاد بين المسروعين. وهذه مسألة مغايرة بالكلية للحديث عن حب الاوطان وحب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمكة
وبالتالي اطلاق حكم ان مالتعارض باطل او ما في هذا المعنى اطلاق لانرى صحته . وفقني الله واياكم للخير
نشات برديسي | الرياض
الجمعة 17 محرّم 1437 هـ الموافق 30 أكتوبر 2015 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد تحية خاصة لكم واحتراما وتقديرا لمقامكم، اود ان انوه الى نقاط في مقالكم اتمنى ان يتسع صدركم لها:
١) لماذا نحن نصر ان نستخدم مفردات لها مفاهيم معادية للاسلام ونصر على مفهومنا الخاص لها والذي لا يتعارض مع المفهوم الاسلامي المطروح، ألا يكفي
ان نقول المشروع السوري مثلا
٢) لا بصلح آخر هذه الامة الا ما اصلح اولها وذلك يدل حسب فهمي القاصر على وضوح الرؤية  وجلاء المنهج، وبالتالي محاولة عدم اظهار المشروع كمشروع
اسلامي واصرار الكثير على تغيير الاسم الى مشروع وطني مثلا مع ما اشتهر عن هذا المصطلح من مفهوم سلبي فيه نوع من عدم الوضوح.
٣) ان التخوين نوعان احدهما لا يلتفت له وهو الذي يعتمد على ظنون ومفاهيم خاطئة والثاني الذي ينظر الى المصطلحات المستخدمة بما اشتهر عنها من
مفهوم لدى منظريها من مفاهيم مخالفة للشرع وهو ليس تخوين بالمفهوم الحرفي للكلمة ولكنه نوع من الاسئلة التعجبية التي تبرز عندما يكون استخدامها
من قبل اشخاص تعرف نزاهته وتوجهه الاسلامي
رابعا واخيرا رغم اني سمعت من الكثير ان من يبحث عن اسماء بديلة عن الاسلامي انه لم يقصد ابدا ارضاء الغرب ولكن نحن دولة اسلامية وبالتالي لا
نحتاج الى ذكر كلمة اسلامي في كل مشروع او عمل ، اقول نعم نثق بكم ونعلم انكم لا تبغون سوا ارضاء المولى ولكن لا تبحثوا عن مصطلحات اشتهر عنها
مدلولات تعادي الاسلام
شاكر للدكتور معن سعة صدره لما كتبت وبارك الله في علمه وعمله ورفع من قدره في الدنيا والآخرة.
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
الكاتب | سوريا
الأحد 19 محرّم 1437 هـ الموافق 1 نوفمبر 2015 م
أخي أبا صهيب:
شكرا لاهتمامكم بقراءة المقال.
لم يتبين لي وجه اعتراضك.

ما سميته في مقالي فهما باطلا هو: "أن المشروعَ الوطني هو مخالفةٌ لدين الإسلام وخروجٌ عنه"، 

فأين وجه الاعتراض؟
وهل نعد من عمل على مشروع وطني بحسب استطاعته ووسعه قد ارتكب بفعله هذا إثما ومخالفة لدين الإسلام، فضلا عن أن يكون خرج من دين الإسلام؟
الكاتب | سوريا
الأحد 19 محرّم 1437 هـ الموافق 1 نوفمبر 2015 م
أخي أبا هيثم:
شكرا لمرورك، وأسأل الله أن يلبسك ثوب العافية.
تعليقك مبني على أن لفظ "مشروع وطني"، له مفهوم معادي للإسلام، ومخالف للشرع، وكأنك تقصد أنه أشبه بالجدل الحاصل في ديمقراطية، وهذا ما لا أعرفه
عن أصل الاصطلاح، بل عندي أنه مصطلح مشترك قد يستخدم استخداما مباحا، وقد يستخدم استخداماغير ذلك، مثل الفن، والحب وغير ذلك. ونحن نسمع الإخوة
الفلسطينيين يتحدثون صباح مساء عن حاجتهم إلى مشروع وطني، يقصدون يجمع فتح وحماس. 
وأنا عرفت المصطلح في سياق المقال بأنه:
المشروع الجامع الذي تتفق عليه جميعُ المكوّناتِ الوطنية المؤثّرة أو جلُّها، ويُشَكِّل القاسمَ المشتركَ لمطالبها، ويكونُ عادةً دون طموحِ
جميعهم، لكنّهم يتوافقون عليه لأنَّه الأمر الـمُمكن، ويحققُ لهم مصلحة مشتركة 
فإن كنت ترى أن المشروع الوطني مصطلح مخالف للشرع في أصل وضعه، فأفدنا بارك الله فيك.
باهي | سوريا
الخميس 23 محرّم 1437 هـ الموافق 5 نوفمبر 2015 م
فعلا انا اؤيد اننا بحاجة لمشروع وطني حاليا اهم شيء يطبق العدل في البلاد وتخلوا عن كل المسميات الاسلامية لأن العالم يرفضها 
جهاد خيتي | المملكة العربية السعودية
السبت 25 محرّم 1437 هـ الموافق 7 نوفمبر 2015 م
1- "المشروع الوطني" في سوريا لا يعني أنه غير إسلامي، ما داما يحقق ما نقدر عليه من العدل وحماية دين الناس، وتمكين المسلمين من إقامة شعائرهم.

2- لا يلزم أن نسمي كل شيء في حياتنا "إسلامياً"، فنحن مسلمون، والأصل أن المسلم يلتزم شرع ربه، ولا يفعل ما حرم عليه، وما كان كذلك فهو داخل في
الدين.

3- الإصرار على أن يكون مشروعنا "وطنياً" في مقابل "إسلامياً" : إن كان بناءً على ما تقدم، ولدفع شر المتربصين بنا فلا بأس،
وإن كان لنفي تطبيق شرع الله بالكلية (كما تسعى لذلك دول الكفر، وتطبل له أذنابهم من العلمانيين) فهذا ما لا يمكن أن يحصل واقعاً، فأمة مسلمة لن
تحكم بغير شرع الله؛ فهذا قانون الأحوال الشخصية المطبق في سوريا كان ولن يزال مستنداً للشريعة، والقانون العربي الموحد المعترف به عربياً
والذي يمكن تطبيقه في سوريا مستند في مجمله لأحكام الشريعة، والتعليم كذلك اتخذ مساره نحو التصحيح منذ سنوات، وهكذا. 
لكن سيبقى خلاف في بعض الأمور، وهي أساسية ومهمة بلا شك، لكن ينبغي ألا يكون همّنا تحقيقها "ابتداءٍ" ولو على حساب تحقيق الانتصار المنشود،
ومعلوم أن استمرار الحرب لن يأتي إلا بالمزيد من تكالب الأعداء من حولنا، أو على حساب استمرار ضياع دماء الناس وأعراضهم وأموالهم؛ فحفظ هذه
الضروريات _مع الأساس الذي لا حياد عنه وهو تمكين الناس من إقامة دينهم_ أهم من تحقيق هذه الأمور.
ومن البدهي أنّ لا تحصل كلها دفعة واحدة في ظل الظروف الراهنة، فلنترك التشنج والتمسك بزخرف القول غروراً.
معاذ | السعودية
الجمعة 1 صفر 1437 هـ الموافق 13 نوفمبر 2015 م
http://islamicsham.org/article/269
ابو طارق زياد العثامنة | سوريا
الخميس 14 صفر 1437 هـ الموافق 26 نوفمبر 2015 م
بسم الله الرحمن الرحيم 
الخطورة أخي الكريم تكمن في الاستخدام المنحرف للمفاهيم العامة كالوطنية و الشعبية والحرية، التي أصبحت مطية للغرب من أجل الهيمنة على العالم
الإسلامي والتجربة العراقية ليست عنا ببعيدة،  فالفكرة هي في توظيف مثل هذه المفاهيم من أجل تنصيب ثلة من العملاء باسم المعارضين الوطنيين،  في
المقابل تجد أن الشارع يثق أكثر بأصحاب العلم الشرعي ويلتف حولهم. 
باختصار فإن مفهوم الوطنية -وللأسف -تم توضيفه لخلق بيئة مليئة بالعمالة كحال( الائتلاف السوري)  
الكاتب د. معن كوسا | سورية
السبت 16 صفر 1437 هـ الموافق 28 نوفمبر 2015 م
صدقت أخي أبو طارق. والاستخدام المنحرف لمصطلح عام يدفعنا إلى تصحيحه، وتوضيح مرادنا من استخدامه، لا أن ننفيه ونتبرأ منه.
وقد تفضلت بالتمثيل بالحرية، فهل نتبرأ من "الحرية" ونرفض المصطلح لأنه أسيئ استخدامه.
أكثر ما يقال في هذه المفاهيم أنها قد تكون مشتركة يقصد بها حق أو باطل، فمن استخدم اللفظ طالبناه أن يبين مراده، وهذا يختلف عن الألفاظ الباطلة
بأصل الوضع مثل الديمقراطية أو العلمانية فينبغي أن تجتنب. 
والله أعلم 
عبدو أبوبكر | تركيا
السبت 2 ربيع الأول 1440 هـ الموافق 10 نوفمبر 2018 م
هل النبي صل الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية قال نتعاهد على دولة وطنية 
بيننا وبين المشركين وهل كان وضعهم أفضل من وضعنا حتى لم يقم بمشروع وطني ؟
الكاتب | سورية
الأحد 10 ربيع الأول 1440 هـ الموافق 18 نوفمبر 2018 م
لم يظهر لي وجه الاستدلال بصلح الحديبية، ووجه الاعتراض به على ما ذكر هنا؛ فصلح الحديبية لم أشر إليه، ولا استدللت به، والصلح كان بين
متحاربين، فما علاقته بمشروع بين سكان الأرض الواحدة؟
Ayman El-Najjar | Canada
الأربعاء 17 صفر 1441 هـ الموافق 16 أكتوبر 2019 م
احسنت وفتح الله عليك ونفع بك