السبت 21 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 23 نوفمبر 2024 م
سوريا والخيارات الصعبة: هل تجمع "داعش" من فرقتهم الثورة؟
الخميس 8 ذو الحجة 1435 هـ الموافق 2 أكتوبر 2014 م
عدد الزيارات : 23754

الثورة: جمود سياسي وتقدم عسكري:

تمر الثورة السورية منذ فشل محدثات جنيف بمرحلة جمود دبلوماسي تقتصر فيها مواقف الدول الفاعلة على إطلاق التصريحات دون أي تأثير على الأرض.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد تسبب بإرباك في المشهد السياسي عندما تقدم بطلب إلى الكونغرس للموافقة على تخصيص 500 مليون دولار لدعم المعارضة السورية، ثم أعقب ذلك بتصريح لشبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية قال فيه: "إن الحديث عن معارضة معتدلة قادرة على هزيمة بشار الأسد غير واقعي وخيال سياسي لا يمكن تحقيقه" (!)

 

 

وما لبث مستشار وزارة الخارجية السابق فريدريك هوف أن كشف عن سر التناقض بين الموقفين، مؤكداً أن البيت الأبيض قد أرسل طلب الموافقة على التمويل إلى الكونغرس عبر البريد الإلكتروني (!) بدلاً من تسليمه باليد، ولم يبذل الرئيس الأمريكي أي جهد لإقناع أعضاء الكونغرس بجدواه، بل إن وزارة الدفاع لم تشفعه بقائمة توضيحية حول الجهات المستفيدة ومصادر الصرف، ولم يقم البيت الأبيض منذ ذلك الحين بمتابعة الطلب، ومن المرجح أن يكون أوباما قد قام بهذه الخطوة لتحميل أعضاء الكونغرس مسؤولية التخاذل عن دعم المعارضة بحثاً عمن يشاطره المسؤولية في حملة انتقاد غير مسبوقة ضده بسبب فشله في معالجة تنامي مخاطر الأزمة السورية على أمن الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون قد دشنت الحملة ضد أوباما مطلع شهر أغسطس عبر نشر مقال اتهمت فيه الرئيس الأمريكي بالضعف وعدم القدرة الحسم في الشأن السوري؛ وأكدت أن الوضع سيكون مختلفاً لو أن الرئيس الأمريكي لم يتردد في دعم المعارضة وتزويدها بالسلاح مخالفاً بذلك نصائح وزير الدفاع ليون بانيتا، ورئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية ديفيد بتريوس، ورئيس هيئة الأركان مارتن ديمبسي الذين أوصوا بدعم المعارضة السورية في مواجهة النظام و"داعش" على حد سواء.

وبلغت الحملة ضد أوباما ذروتها إثر انتشار مقاطع ذبح الأمريكيين واعتراف أوباما أنه لا يملك إستراتيجية واضحة لمواجهة "داعش"، بل إن الضربات الجوية المحدودة في جبل سنجار قد أثارت تساؤلات كثيرة حول التبرير الأخلاقي الذي قدمه أوباما عندما تحدث عن إنقاذ "أقلية محاصرة" في حين أن الأغلبية في المنطقة تتعرض لمذابح جماعية وتستهدف بالغازات السامة وقصف بالبراميل دون أن يعثر الرئيس الأمريكي على مبررات أخلاقية رديفة لوقف تلك الانتهاكات.

والحقيقة هي أن مشهد الجمود السياسي لا يتسق مع الإنجازات التي تحققها كتائب المعارضة على الأرض وخاصة في محافظة إدلب حيث تقترب من المدينة بخطى وئيدة، وتشهد جبهة مورك بمحافظة حماة تقدماً باتجاه مطار الحميدية العسكري، في حين تسجل كتائب دمشق والغوطة صموداً بطولياً رغم الحصار وقلة الإمكانات، ونجحت في تصعيد حملتها بجوبر إلى درجة دفعت بالنظام لتحويل طرق المواصلات العامة المؤدية إلى العاصمة دمشق.

وانضم السفير الأمريكي السابق في سوريا روبيرت فورد إلى قائمة منتقدي أوباما، منبهاً إلى أن الكتائب الإسلامية قد نأت بنفسها عن التطرف عندما نشرت بيانات في توضيح موقفها المناهض للغلو وأتبعت ذلك بتصفية فلول "داعش" في ريف دمشق وألحقت بها خسائر فادحة في القطاع الشمالي.

أما بالنسبة للنظام؛ فعلى الرغم مما حصل عليه بشار أسد من إمدادات عسكرية وصلت إلى حد القتال نيابة عنه وإرسال ضباط من إيران ولبنان لقيادة قواته المبعثرة إلا أن جيشه يبدو وكأنه جثة هامدة، فباستثناء عمليات القصف العشوائي التي ينفذها سلاح الجو بطائرات تمت صيانتها في روسيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية؛ تتوالى هزائم النظام في مناطق مختلفة من البلاد.

ودلل جيفري وايت زميل الشؤون الدفاعية في معهد واشنطن والضابط السابق في شؤون الاستخبارات العسكرية على ضعف النظام بانهيار المراكز الرئيسة الثلاثة للنظام في الرقة (مقر الفرقة 17 خارج مدينة الرقة، وحماية اللواء 93، والمطار العسكري قرب الطبقة) دون أي مقاومة تذكر (خلال الفترة 7-24 أغسطس 2014)، فبالإضافة إلى ضعف التجهيزات وقلة الذخيرة لدى قوات النظام؛ عجزت القيادة في دمشق عن تأمين الحماية أو توصيل الإمدادات إلى المحاصرين، واعتمدت الوحدات المحاصرة في الرقة  على القوة النارية والقصف الجوي المحدود بالإضافة إلى حقول الألغام التي لم تحمي القاعدة الجوية من السقوط الذي مثل أكبر هزيمة تُمنى بها قوات النظام منذ بدء الثورة، ورجح وايت أن تواجه دير الزور مصيراً شبيهاً بما آلت إليه محافظة الرقة خلال الفترة القادمة.

 

وأدت النهاية الدموية لمقاتلي النظام إلى إثارة الذعر في فرق الجيش تماماً كما وقع لقوات المالكي في الموصل، حيث تعالت أصوات ضباط النظام في دمشق منددة بطريقة تعامل الإعلام السوري مع الأزمة وخداع الرأي العام، في حين طلب دريد بن رفعت أسد من ابن عمه بشار تشكيل: "فرقة عسكرية تضم ما بين 10 آلاف و15 ألف مقاتل ومجهزة بالعتاد الحربي المناسب في منطقة جورين (سهل الغاب) بأسرع وقت ممكن"، وذلك لتفادي وقوع مجازر ضد أبناء الطائفة العلوية في جبال الأنصارية والساحل السوري.

وأوضح دريد أسد أن الفرقة التي يطالب بتشكيلها: "ستكون قادرة على الدفاع عن الخط الممتد من ريف حماه الشمالي وصولاً إلى ريف اللاذقية الشمالي وستمنع وصول أي تشكيلات مسلحة متشددة يمكن أن ترتكب مجازر واسعة بحق سكان هذه المناطق"، وفي هذه الأثناء حفلت صفحات التواصل الاجتماعي الموالية للنظام بمنشورات وتعليقات ساخطة كإطلاق لقب "جوزيف غوبلز" وزير الإعلام النازي في عهد هتلر على وزير الإعلام السوري، والمطالبة بإقالة كل: "من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة وقائد القوى الجوية ووزير الإعلام وكل من له علاقة بملابسات سقوط مطار الطبقة العسكري وما نجم عنه من أسر وقتل المئات من جنود الجيش العربي السوري وإحالتهم إلى القضاء المختص للتحقيق معهم في ظروف الحادثة"، وتتنامى موجة السخط في صفوف العلويين إثر تتابع فشل بشار في تحقيق أي تقدم يذكر وتزايد الخلافات في قمة السلطة الأمنية حيث انضم حافظ مخلوف إلى قائمة الساخطين بعد أن كان اليد اليمنى لبشار خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يؤكد مخاوف ضباط الطائفة قرب مقايضة إيران حكم بشار  نظير الاعتراف بنفوذها في دمشق كما فعلت مع المالكي في بغداد.

وعلى الصعيد نفسه؛ تكبد "حزب الله" خسائر فادحة في صفوف مقاتليه بالقلمون وريف دمشق، وذلك في ظل تردد الحديث عن إنهاك قدرات الحزب، وانعكاس انتشار مشاهد إعدام مقاتلي الحزب على معنويات القيادة ورغبتهم في الانكفاء لممارسة دور سياسي في لبنان خلال الفترة القادمة، خاصة وأن بشار قد اعترف بالهزيمة مبكراً وبادر إلى تثبيت الأمر الواقع من خلال عقد انتخابات رئاسية منقوصة في المناطق الخاضعة له معترفاً بأنه لا يسيطر إلا على نحو 50 بالمائة من الأراضي السورية ونحو 40 بالمائة من سكان البلاد الذين أصبحوا يشكلون أكبر عدد من اللاجئين في العالم.

نهاية الاستقطاب الإقليمي: تعاون الفرقاء والفرص الكامنة:

ساهم اعتراف الإدارة الأمريكية بعدم وجود إستراتيجية للتعامل مع تعقيدات المشهد السوري في تعزيز حالة الجمود السياسي، حيث تجمع الأطراف الدولية أن جولة حوار جديدة مع النظام لن تجدي نفعاً، في حين لم يعد الائتلاف السوري مقنعاً للأطراف المحلية والخارجية على حد سواء.

أما في واشنطن؛ فقد نشطت مؤسسات الدولة ومراكز البحوث والدراسات في تقديم النصائح لإدارة أوباما التي بدت فاقدة للمبادرة، وتراوحت حزمة الخيارات المتاحة بين التعاون مع نظام بشار وحلفائه الإيرانيين على قاعدة "عدو عدوي صديقي" من جهة، وبين تسليح المعارضة السورية لرفد الضربات الجوية بالدعم البري من جهة أخرى؛ فقد أشارت دراسة لمعهد دراسات الشرق الأوسط أنه لا يمكن هزيمة "داعش" في العراق دون شن عمليات قتالية في سوريا، خاصة وأن الحدود المرسومة على الخريطة لم تعد تمثل على أرض الواقع خطاً فاصلاً بين الدولتين.

وفي دراسة موازية أشار الباحث مايكل كيلي إلى إدراك المسؤولين في واشنطن ضرورة مواجهة "داعش" في كل من سوريا والعراق، بل إن أمريكا وبريطانيا قد زجتا بقواتهما الخاصة في المجالين: السوري والعراقي لتحرير الرهائن دون جدوى، مما دفع ببعض مستشاري أوباما للتحدث علناً عن إمكانية التعاون مع نظام بشار، إذ صرح مستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض لقناة "أي بي سي" قائلاً: "إذا كنا نريد استئصال "داعش" يجب علينا أن نتعامل مع جهات لا نحبها"، وذلك بالتزامن مع تسريب أنباء عن تنسيق الإدارة الأمريكية عملياتها العسكرية مع نظام بشار عبر وسائط في بغداد وبرلين.

وفي الوجهة المقابلة يحذر باحثون مرموقون من الاستعانة بنظام بشار لضرب "داعش" لأن هذه السياسية تمثل: "التعامل مع مشعل الحرائق على إنه رجل إطفاء"؛ ويرى المحلل الإستراتيجي جيفري وايت أن التعاون مع كتائب المعارضة على الأرض هي الطريقة الأنجع لوقف تمدد "داعش"، على أن تعمل القوات الأمريكية معهم بموجب استراتيجية متماسكة وطويلة الأمد، ويوافقه في ذلك توني بدران الذي تحدث عن ضرورة التعاون مع الفصائل السنية التي تعيش في المناطق القريبة أو تلك التي يسيطر عليها تنظم "داعش"، والعمل على تشكيل تحالف من القوى السنية متمثلة في: الجيش الحر والسعودية وتركيا والأردن.

وبين هاتين الوجهتين تتحدث دراسات عديدة عن إمكانية جمع الفرقاء في تحالف إقليمي شامل للحد من مخاطر امتداد الأزمة السورية بصورة يصعب السيطرة عليها فيما بعد؛ فقد أكدت دراسة لمعهد كارنيجي أن هزيمة "داعش" لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تفاهم سعودي-إيراني لتخفيف الاحتقان الطائفي، وأشارت الدراسة إلى ان إيران قد ضحت بالمالكي حتى تحافظ على نفوذها في العراق، مما وضعها في موقف متطابق مع السعودية التي باركت تعيين حيدر العبادي، ويدفع ذلك بالتفاؤل في إمكانية التوافق بين الطرفين إلى صيغة شبيهة في سوريا، خاصة وأن إيران لن تقدم بشار على مصالحها الإستراتيجية بل ستسعى إلى تثبيت حكم يضمن مصالحها ونفوذها إذا رأت ذلك متوفراً في غير بشار.

جدير بالذكر أن الدبلوماسية العربية قد حققت إنجازاً طيباً في مجال وقف "الحرب الباردة بين القوى السنية" (وهو مصطلح استحدثه الباحث بمعهد بروكنجز غريغوري غوس للإشارة إلى حالة الاستقطاب الإقليمي الحاد بين دول مجلس التعاون) مما يبشر بإمكانية تشكيل جبهة موحدة في مواجهة المخاطر المشتركة.

وتتحدث مصادر مطلعة عن سعي هذه الأطراف لإعداد مبادرة عربية لتسوية الأزمة السورية، على أن يسبق ذلك خروج بشار من دمشق، وقد طُرح هذا المشروع في اجتماع وزراء خارجية السعودية ومصر وقطر والإمارات والأردن في الشهر الماضي ضمن أجواء إيجابية عززها دور قطر في تعزيز المصالحة الفلسطينية ودفع قادة حماس للقبول بالمبادرة المصرية من جهة، ونجاح الدبلوماسية السعودية في تخفيف الاحتقان الخليجي من جهة أخرى.

وكان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قد زار روسيا مطلع شهر يونيو، ثم قام نظيره لافروف برد الزيارة بعد ثلاثة أسابيع حيث قدم إلى المملكة لمناقشة إمكانية التوصل إلى حل يقضي بحلحلة الأزمة السورية انطلاقاً من تجنيب البلاد خطر التقسيم.

ويسود التفاؤل في الأوساط العربية من إمكانية استقطاب طهران عبر الوسيط الروسي، خاصة وأن الإيرانيين قد أبدوا تعاوناً في الملف العراقي، وتأمل هذه الأطراف بتكرار السيناريو العراقي في دمشق بحيث تتخلى إيران عن بشار مقابل الاحتفاظ بنفوذها ومصالحها في البلاد، وألمحت المصادر إلى أن إيران تبدي إيجابية في هذا الصدد حيث تم بحث فكرة المشروع الانتقالي أثناء زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى جدة.

جدير بالذكر أن زيارة "اللهيان" هي الأولى لمسؤول إيراني منذ اندلاع الثورة السورية، وقد مثلت فرصة للتعرف على وجهة نظر طهران بشأن إمكانية التعاون لإيجاد حل سياسي يرضي جميع الأطراف، ويبدو أن الموضوع نفسه سيكون محل نقاش بين وزير الخارجية السعودي ونظيره الإيراني أثناء زيارة الأخير للمملكة خلال الأيام القادمة.

الأجندة الخفية ودبلوماسية اللحظة الأخيرة:

في أحدث دراسة تقدمت بها مؤسسة "راند" إلى وزارة الدفاع الأمريكية؛ أشار مجموعة من الباحثين إلى أنه لا يمكن التوصل إلى حل نهائي للأزمة السورية إلا من خلال التفاوض مع نظام دمشق ومن يقف خلفه من الإيرانيين والروس على أساس وقف القتال مقابل وقف تدفق المساعدات الخارجية إلى جميع الأطراف، وإعادة توطين ملايين اللاجئين في مناطق آمنة داخل سوريا تحت حماية دولية.

وحذرت الدراسة من العواقب الوخيمة لتحول الثورة السورية إلى صراع طائفي يشمل جميع دول المنطقة، مما يضاعف فرص امتداد الصراع إلى دول الجوار ودول مجلس التعاون الخليجي، خاصة وأن فكر التطرف قد بدأ ينتشر لدى قطاعات واسعة من الشباب المحبط من استمرار النزاع.

لكن المؤشر الأخطر الذي توصلت إليه الدراسة -التي ناقشت مخاطر امتداد الأزمة السورية- يكمن في الحديث عن: انهيار المعادلة الجيوسياسية لكل من سوريا والعراق، حيث انهارت السلطة المركزية، وتلاشت الحدود الفاصلة بين الدولتين، وانقسم الإقليم فعلياً إلى كيانات إثنية وطائفية غير متماسكة، ومن المستبعد أن تنضوي أي من هذه الكيانات تحت كنف الحكم في بغداد أو دمشق في المستقبل القريب.

وقد أشارت العمليات الأخيرة إلى أن الإدارة الأمريكية ماضية في برنامجها لتمكين الأقليات دون اكتراث بمعاناة الأغلبية السنية في سوريا والعراق، حيث ذكر دو أوليفانت مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق أن الجيش الأمريكي قد تعاون مع حزب العمال الكردستاني (وهي جماعة إرهابية مقربة من إيران ونظام بشار) في العمليات بجبل سنجار، وتعاون مع ميليشيا "عصائب الحق" لطرد "داعش" من مدينة آمرلي ثم سلمت إدارة المدينة إلى هذه المجموعة الإرهابية المعروفة بارتباطها بإيران، وسرعان ما ظهر قاسم سليماني قائد فيلق القدس وهو يشارك في احتفالات "تحرير المدينة".

أما في سوريا، فقد أكد موقع "ديبكا" أن الاستخبارات الأمريكية قد أرسلت -عبر الاستخبارات الألمانية- معلومات للنظام السوري حول أماكن تواجد قوات "داعش" وذلك لمساعدتها في توجيه ضربات جوية أثناء حصار مطار الطبقة العسكري، كما يمكن ملاحظة هذه النبرة في وصف أوباما تصفية مخزون السلاح الكيميائي بأنه: "إنجاز هام"، مضيفاً: "إننا نضغط على نظام الاسد كي يضع حداً للفظائع التي يواصل ارتكابها ضد السوريين"، ولاشك في أن هذه الصياغة تختلف عن تصريحات أوباما السابقة بضرورة إسقاط النظام، خاصة وأنها تأتي بالتزامن مع تطمينات أرسلتها القوى الغربية (عن طريق الحكومة العراقية) إلى بشار بأنه غير مستهدف في العمليات الجوية ضد "داعش"، وتأكيد وزير الخارجية الأمريكي أن أمريكا لا تمانع من التعامل مع حكومة لبنانية يشارك فيها "حزب الله"، مضيفاً: "يجب أن تقوم إيران وروسيا وحزب الله بدور لوقف الحرب في سوريا"، وهي أول مرة يتحدث فيها وزير خارجية أمريكي بصراحة عن دور إقليمي للحزب كطرف مستقل لإنهاء الأزمة في سوريا.

وعبرت مجلة إيكونومست البريطانية عن قلقها من عدم تعلم الأمريكان درسهم في العراق، حيث قامت -للمرة الثانية- باستبعاد السنة من جميع الترتيبات السياسية والعسكرية وأعرضت عنهم بالكامل، واقتصر اعتمادها العسكري بمدينة آمرلي على أربعة ميليشيات طائفية هي: فيلق بدر وعصائب الحق، وكتائب حزب الله وسرايا السلام التابعة لجيش المهدي، وأشارت المجلة إلى أن الخاسر الأكبر من العمليات الأمريكية الأخيرة هم العشائر السنية التي فقدت الثقة تماماً بالأمريكان.

 

جدير بالذكر أن الأسباب التي قدمتها الإدارة الأمريكية إلى الكونغرس لتبرير العمليات العسكرية في العراق تمثلت في: "حماية الأمريكان في أربيل، وإنقاذ اليزيديين المحاصرين في جبل سنجار، وكسر الحصار الذي فرضته "داعش" على مدينة آمرلي الشيعية"! ويبدو من هذه الأهداف أن البيت الأبيض معني بحماية الأقليات الشيعية والكردية واليزيدية، دون أي اكتراث لمعاناة السنة في سوريا والعراق.

وتتزايد وتيرة القلق من التوجهات الأمريكية لبسط السيطرة الكاملة على المنطقة وتمكين الأقليات فيها بدعوى محاربة "داعش"، مما يقوي موقف طهران، التي تعزز نفوذها في اليمن، ولا تزال مصرة على بقاء حزب الدعوة بالعراق وحزب البعث بسوريا كشرط لأي حوار حول مستقبل المنطقة.

ويبدو أن رؤية الإدارة الأمريكية تنسجم مع الطرح الإيراني في مجال تمكين الأقليات؛ حيث حثت دراسة مركز "راند" وزارة الدفاع الأمريكية على إعداد خطط فورية لتقسيم المنطقة ووضع ترتيبات نهائية لجغرافيتها السياسية على نسق اتفاقية دايتون (14 ديسمبر 1995) التي أدت إلى تقسيم البوسنة والهرسك إلى جزأين متساويين نسبياً هما فيدرالية البوسنة والهرسك وجمهورية صرب البوسنة وانتشار قوات حفظ سلام بين الدولتين، وذلك في الوقت الذي تؤكد فيه الأوساط العسكرية والدبلوماسية الغربية أن العلميات العسكرية الراهنة في العراق وسوريا لن تقتصر على ضرب "داعش".

قد يطرب لذلك أقطاب اليمين المحافظ الذين كانوا ينادون بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وتقسيم المنطقة على أسس إثنية وطائفية منذ عقد من الزمان، إلا أن تكلفة التقسيم وإعادة الفرز ستكون باهظة على اقتصاديات المنطقة وشعوبها المنهكة جراء الصراع...

فهل تدرك الدول العربية عواقب المشاركة في العمليات العسكرية التي أضعفت فصائل المعارضة ولم تلحق أي أذى يذكر في البنية التحتية لتنظيم "داعش"؟

وهل تنجح الدبلوماسية العربية في تجنيب المنطقة مخاطر التقسيم قبل فوات الأوان؟

المقالات المنشورة هي لأعضاء الهيئة، وتعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة