الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
اِسْتَقِمْ...ولكِنْ لا تَغْلُ...!!
الاثنين 3 رمضان 1435 هـ الموافق 30 يونيو 2014 م
عدد الزيارات : 25094
اِسْتَقِمْ...ولكنْ لا تَغْلُ...!!
أمرنا الله -سبحانه وتعالى- بالاستقامة على الدين، ولزوم الطريق المستقيم، وحذَّرنا من كل تجاوز في الأقوال والأعمال والاعتقاد، قال سبحانه:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} هود:12.
ولقد بيَّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يُسر دين الإسلام، وحثَّ على أخذه برفق، ورغَّبنا بالاعتدال في العمل به، بلا زيادة أو نقصان، ولا إفراط أو تفريط، فعن أبي هريرة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:( إن الدين يسرٌ ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدوة والرَّوحة وشيءٍ من الدُّلجة). رواه البخاري.
 
 
وبين لنا أنَّ لزوم الطريق الوسط المعتدل، الذي لا غلوَّ فيه ولا تقصير، سبيلٌ إلى تحقيق الأهداف ونيل الغايات، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:( لن ينجِّي أحدًا منكم عملُهُ. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدَّني اللهُ برحمة، سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيءٌ من الدُّلجة، والقصدَ القصدَ تبلُغُوا ). رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري.
وفي حديث آخر يحذرنا -عليه الصلاة والسلام- من الغلو، بل جعل عامةَ هلاك الأمم السابقة بالغلو، فعن ابن عبَّاس -رضي الله عنه- قال: قال لي رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ العقبَةِ، وهو على راحتله:( هاتِ الْقُط لي، فلقَطْتُ له حَصياتٍ، هن حصى الخَذْفِ، فلمَّا وضعتُهنَّ في يده، قال: بأمثالِ هؤلاءِ، وإياكم والغُلُوَّ في الدَّين، فإنما أهلكَ من كان قبلكم الغُلُوُّ في الدّين). رواه ابن ماجه والنسائي.
لذلك كان على السائرين في طريق الدعوة والجهاد في سبيل الله أن يحذروا مما حذَّر منه قائدُهم العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأن يبتعدوا عن كل ما يضر بجهادهم... وألا يتجاوزوا الحدَّ في قولٍ أو عملٍ أو اعتقاد، فلا تهمة ولا تخوين إلا ببرهان، ولا تضخيم للفرعيات والجزئيات، ولا تصنيفات أو أحكام بالظنون والشبهات.
والغلو يجعل من صاحبه متكبراً متعالياً، يحتقر الناس ويزدريهم، فلا يعرف لأهل الفضل فضلهم، ولا لأهل المروءة قدرهم، ولا لأهل العلم مكانتهم... حتى وصل بواحدٍ منهم أنْ أساء إلى رسول رب العالمين، وإمام أنبياء الله أجمعين، محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال:( بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل. فقال -صلى الله عليه وسلم-: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خِبتَ وخسرتَ إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: دعه فإن له أصحابًا، يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم وصيامَه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيَهم، يمرقون من الدين كما يمرق السَّهمُ من الرَّميَّة..).متفق عليه.
فالغلو خطر كله...!
فيا أخي: لا تغْلُ في شيخك أو قائدك أو جماعتك أو فصيلك أو بلدك أو عشيرتك...؛ فقد نهى النبي الكريم عن الغلو في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وسلَّم، فعن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-  قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول على المنبر:( سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله ). رواه البخاري.
ويا أخي: لا تغْلُ في إطلاق الأحكام؛ فقد يجرُّك هذا إلى الوقوع في أعراض المسلمين ودينهم، كما جرًّ هذا السبيلُ أناساً من المسلمين فأوقعهم في الطعن بخيرة الخلق بعد الأنبياء، أوقعهم في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكفَّروا فيهم واستحلوا منهم الدماء ... والعياذ بالله.
ويا أخي: لا تغْلُ في تطبيق الأحكام الشرعية على الناس، وقد مرَّ عليهم سنون، وهم يُحارَبون في دينهم، ويُجهَّلون في أبجديات عقيدتهم، فإنهم وإن أروك حبَّا ورغبة، فإنك إذا تجاوزت الحد، وبالغت في الشكوك والاتهامات نفَّرت الخلق من دين الله، وآيَسَتْهم من رحمة الله... ولن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك منَّ الله عليه فقال:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}آل عمران:159.
فأنت -يا أخي-: حينما تقاتل المعتدين والمحاربين والمفسدين في الأرض فإنما تقاتلهم بأمر الله، فلا يجوز لك أن تتجاوز أمر الله...! فمن أذن لك: برفسهم ودهسهم والسخرية والاستهزاء بهم؟! ومن أذن لك برميهم في الحفر والوهاد؟! ومن أذن لك بقتل من خالفك الرأي؟ ومن أباح لك قتل الشباب الرافضين طاعةَ أميرك أو بيعته؟!
ويا أخي: لا تغل في مفهوم الولاء والبراء، فتُدخل في دين الله من تشاء، وتُخرج من دائرة الإسلام على هواك...! كيف تُكفر أناساً وهبوا شبابهم لله، وتركوا الأهل والزوجة والولد، وانتظموا مرابطين في الثغور يحمون الأعراض، ويردُّون كيد الأعداء؟
واعلم-يا أخي-: أنه لا يجوز لك بعد النصح والإرشاد، أن تبقى مع الذين ظلموا أنفسهم بتكفير عباد الله، ونبذوا كل وسائل الوحدة والتعاون مع المجاهدين في سبيل الله، وقطعوا كل سبل التواصل مع شبيبة الإسلام وشيبته، وخرجوا على الأمة بالتفسيق والتخوين والتكفير والتفخيخ والتفجير... اُنجُ بنفسك، وفِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد.
اللهمَّ رُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا، واجمع  اللهمَّ كلمتنا على ما تحبُّ وترضى، ورُدَّ اللهمَّ كيد الكائدين، وانصر اللهمَّ عبادك الموحِّدين، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
 
المقالات المنشورة هي لأعضاء الهيئة، وتعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة
أبو محمد | غازي عينتاب
الأربعاء 5 رمضان 1435 هـ الموافق 2 يوليو 2014 م
جزاك الله خيراً أخي أبا عبدالله ونفع بك ... لعلَّ فيما أنقل فائدة للمفرطين ...وللغلاة!!! 
قال الله تعالى: (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا
مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )) المائدة:(77)
جاء في: الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (4/ 380) قوله تعالى: {غَيْرَ الحق} : فيه خمسة أوجه ... الثالث: أنه حالٌ من «دينكم» أي: لا تغلوا فيه وهو
باطل، بل اغلُوا فيه وهو حَقٌّ، ويؤيد هذا ما قاله الزمخشري فإنه قال: «لأنَّ الغلوَّ في الدين غُلُوَّان: حقٌّ وهو أَنْ يُفْحص عن حقائِقه
ويفتَّشَ عن أباعدِ معانيه ويُجْتَهَدَ في تحصيله حُجَجَه، وغلوٌ باطل: وهو أن يَتَجاوز الحقَّ ويتخطاه بالإِعراض عن الأدلة» . 
...إلى أن قال: والذي يظهر فيه أنه قوله: {فِي دِينِكُمْ} كأنه قيل: لا تَغْلُوا في دينكم إلا الدين الحق فإنه يجوز لكم الغلوُّ فيه، ومعنى الغلو فيه
ما تقدم من تقرير الزمخشري له.