الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ الموافق 19 مارس 2024 م
تشـييد أركـان نظـام حكـم الأقليات في سوريا
الأربعاء 2 صفر 1438 هـ الموافق 2 نوفمبر 2016 م
عدد الزيارات : 18281

- 1 -
تشـييد أركـان نظـام حكـم الأقليات في سوريا


"لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم" (1)، بهذه الكلمات رد وزير الحربية السوري يوسف العظمة على الملك فيصل بعد أن حل الأخير الجيش العربي السوري استجابة لتهديد الجيش الفرنسي، الذي نزل السواحل السورية بقيادة الجنرال هنري غورو.

حارب يومها يوسف العظمة الفرنسيين في معركة شرف وكرامة غير متكافئة في الثامن من ذي القعدة 1338هـ  الرابع والعشرين من يونيو / تموز 1920م، بجيش بلغ قوامه 3,000 مقاتل معظمهم من المتطوعين المجاهدين وبعض الضباط والعساكر، تسلحوا بالبنادق القديمة والسيوف والمقاليع، في وجه جيش فرنسي تسلح بالدبابات والطائرات والأسلحة الثقيلة، وبلغ قوامه 9,000 مقاتل.

ورغم تعرض الجيش السوري لخيانة بعض الأفراد إلا أنه صمد ثماني ساعات حتى قُتل يوسف العظمة بقذيفة ضمن 400 شهيد و1000 جريح، فيما قُتل من الجيش الفرنسي 42 جندياً وجرح 154.

(2) ثم ما لبثت أن انطلقت الثورة السورية الكبرى رفضاً للانتداب الفرنسي ومشروع التقسيم في مختلف المدن السورية، و استمر النضال بأشكال مختلفة حتى انتهى الاحتلال الفرنسي بعد 26 سنة عام 1946م.

وشهدت الفترة التي تلت الاحتلال الفرنسي الكثير من الحراك والتخبط السياسي حتى 22 شباط / فبراير 1958م، إذ أُعلنت الوحدة بين سوريا ومصر، وأُعلن عن ( الجمهورية العربية المتحدة ) بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبد الناصر. 

لم تصمد الوحدة أكثر من ثلاث سنوات بسبب أخطاء سياسية واقتصادية وتنظيمية، كان نتيجتها انقلاب عسكري في دمشق يوم28 سبتمبر / أيلول 1961 وإعلان الانفصال وقيام الجمهورية العربية السورية.

ثم استمرت الانقلابات العسكرية حتى وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في الثامن من آذار لعام 1963م بقيادة لجنة عسكرية خماسية أغلبها ضباط نصيرية، وسُرح بعدها ما لا يقل عن 700 ضابط من كبار ضباط أهل السنة، ومُلئ هذا الفراغ بضباط من الأقليات، وخاصة الطائفة النصيرية.

(3) كما ألغي الدستور، وحُلت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ونفيت غالب الطبقة السياسية إلى خارج البلاد، فضلاً عن إعلان حالة الطوارئ، كمـا ألغـي الدسـتور، وحُلت الســــــلطـات التنفيذيــــــة والتشـــريعية والقضائيـــة، ونفيـــت غالـــــب الطبقــــة السـياسـية إلى خارج البلاد، فضـــلاً عن إعــــلان حالــــة الطوارئ، ويذكر أن الضباط النصيريـــة أقامـــوا خـــلال هذه الفترة اجتماعات عــدة، كان أولها في القرداحة عام 1960 م والثاني في حمص عام 1963م والثالث في دمشق عام 1968م.

تهدف هذه الاجتماعات إلى وضع خطط انخراط العلويين في الجيش وحزب البعث وزيادة التنسيق فيما بينهم ووضع رتب دينية لبعض الضباط والقادة.

وكان للانتداب الفرنسي دور كبير في تأسيس وهندسة تصدر الأقليات للمشهد في سوريا ولبنان، حيث أسست فرنسا خلال الانتداب الفرنسي عام 1921م جيش المشرق الذي بلغ تعداده 70 ألفاً، وكان ابتداء يتألف من المغاربة والفرنسيين والأفارقة، ثم أسست قوات داعمة له تسمى "القوات الخاصة للشرق"، كفرق أمن داخلية مهمتها حفظ النظام وقمع الثورات داخل المدن، كان تعدادها عند تأسيسها عام 1924م حوالي 6,500 مجند، ووصلت حتى عام 1935م إلى 14,000 مجند.

إذ تم تجنيد أعداد كبيرة من جبل الأنصارية وجبل العرب وجبل لبنان، وأصبح غالبية المنتمين إلى القوات الخاصة من الفلاحين العلويين والدروز والموارنة بالإضافة إلى تشكيل فرق جديدة من الأقليات الإسماعيلية والأكراد والشراكسة.

وكانت هذا القوات من الأقليات الدينية وبالأخص العلوية، قد شكلت فيما بعد نواة الجيش السوري، وساهم هذا المزيج الطائفي-العسكري كسلطة بديلة للحكم المدني في تشييد أركان نظام الحكم الطائفي-العسكري الذي آلت إليه سوريا في العقد السادس من القرن العشرين، والذي عمل منذ الأيام الأولى من تأسيسه على شل حركة المؤسسات الدستورية، وتعطيل الحريات، وفرض الرقابة على الصحف وأجهزة الإعلام، وتعزيز دور أجهزة الأمن والاستخبارات في الحياة العامة.  وجاءت هذه الإجراءات الفرنسية كنظرة استراتيجية طويلة المدى يضمن لفرنسا بقاء نفوذها عبر أقليات منحت ولاءها للاحتلال وتختلف بعقيدتها وأفكارها عن المجتمع .(4)

 

________________________________
(1)  المتنبي

(2) موقع قصة الإسلام، موقع اكتشف سوريا، موسوعة الأعلام للزركلي (ج8-ص213).

(3) ينظر إلى كتاب التجربة المرة / ص 159 – طبعة بيروت – عام 1967م 

(4) ينظر إلى كتاب "العلويون النصيريون" أبو موسى الحريري / طبعة بيروت1980م، ص: 234 – 236 و النصيرية: تقي شرف الدين / ص: 169 - 173 / بيروت 1986م ، جريدة عنب بلدي العدد 161 ، مقال التحدي الطائفي في سوريا للدكتور بشير زين العابدين.