من مقدمة الكتاب
شكلّ ظهورُ اليقظةِ الدينية في مرحلةِ ما بعد سقوط الدّولة العثمانية، بارقةَ أملٍ للأمة المسلمة بعد مرورها بمرحلة الهزيمة والانكسار، فبرزت مدارسُ فكريةٌ وعلميةٌ ذاتُ توجهٍ إسلاميٍّ؛ بأطروحات علمية ودعوية متعددة، تَشَكّلَ مِن خلالها مدارسُ حفظت للأمة المسلمة هويتَها، في ظلِّ تصاعد تيارات التّغريب والانحراف الفكري.
وقد أصبحت هذه المدارس الفكرية والعلمية بمجموعها تمثّل التيارَ الإسلامي العام، وتُسهم في تشكيل الخطوط العريضة لمسيرته المباركة مِن خلال أطروحات متعددة، في محاولة جادّة منها لتنشئة جيلٍ واعٍ، وتربيته على الأسس الشّرعية لحمل همّ هذا الدّين.
ومع أنّ الاختلاف سنةٌ ماضية، ومِن لوازم الطبع البشري وتكوينه ونشأته، لكنّ مَن يتأمل ساحة العمل الإسلامي بأطيافها المتعددة يجد أنّ ثمة خلافاتٍ ما زالت تعصف بهذا الكيان، وتهدّد بتصدّع البنيان، نتيجة التعدد والتنازع بين المدارس العلمية والفقهية والفكرية فيه، مما حدا بأهل العلم في مراحل مبكرة أن ينهضوا لوضع معالم، ورسمِ ضوابط للاختلاف، وتمييز المقبول مِن غيره، ومنهجية التعامل مع المخالفين والتعايش معهم، والتعاون على تحقيق المصالح، ودرء المفاسد عن الأمّة، وقد ضمّنوا كتبهم تلك المعالم، بل وأفردوا لها المصنفات العلمية التي شكلت بمجموعها روافد متكاملة لمنظومة وآداب الخلاف وضوابطه .
وبينما يعيش العالم تحولات جذرية وإقليمية معاصرة، مِن خلال ظهور التكتلات السياسية، والتحالفات الدولية، فلا تزال الأمة الإسلامية مأزومة بصراعاتها الداخلية، وهي دون التطلعات المرجوة منها للمرحلة الحالية، وكأنها ما زالت تعيش بُرهة الثمانينات الماضية!.
وإنّ جهود المصلحين في جمع الكلمة، والاتفاق على مرجعية موحدة للعاملين في حقل الثورة السورية المباركة، لا تزال تمشي بخطىً متثاقلةٍ، رغم قسوة المشهد الدموي اليومي، في ظل تواطؤ عالمي ضدّ أهل السنة والجماعة، وتداعي أمم الكفر والباطنية وأهل الغلو والنفاق عليهم، فالحالة الثورية ما زالت تشهد مزيداً مِن الانقسامات الفصائلية، والتكتلات الضيقة، فأضحت كالاتجاهات المتضادة، والقوى المتصارعة، ولم تشفع تلكم الدماء التي سُكبت على ثرى بلاد الشام أنْ يتجاوز القادةُ خلافاتهم، بدلاً مِن حالة التشرذم والتنازع التي أفقدت الجهاد الشامي كثيراً من إنجازاته التي زرعها شبابٌ قاوموا الاستبداد الباطني، وقدموا التضحيات تلو التضحيات.
في ظلّ هذه المعطيات في واقعنا المعاصر والذي تمرُّ فيه الأمة الإسلامية بمفترق طرق تاريخي، وفي عصر التحالفات والتكتلات فإنه يتحتَّم على قيادات الأمة الإسلامية السعي الجاد والحثيث إلى وحدة الصف، وجمع الكلمة تحت راية أهل السنة والجماعة، فهم المعنيون بهذا الأمر قبل غيرهم؛ لما لهم من الأثر والقبول بين الناس.
ورغبة في الإسهام في هذا الموضوع كان هذا الكتاب، وقد كان الاهتمام والتركيز فيه على القضايا التي تمسُّ الحاجة إليها في الجوانب العملية والتربوية، وقد ضُمّن كثيراً مِن كلام أهل العلم وتأصيلاتهم؛ تقريراً للمراد، وتقويةً للحجة، وأُردف بتباريح منهجية، وإضاءات تربوية.
وقد جاء في ثلاثة فصول رئيسة، تحتها عدد من المباحث والمسائل، كما يلي:
الفصل الأول: تأملات منهجية حول وحدة الصف، وخطر التفرّق.
الفصل الثاني: محاور علمية حول الخلاف.
الفصل الثالث: قواعد منهجية في التعاطي مع الخلاف، واحتوائه.