الجمعة 19 رمضان 1445 هـ الموافق 29 مارس 2024 م
التقرير الإستراتيجي (18) [ 14-21 يوليو 2012 ]
الاثنين 4 رمضان 1433 هـ الموافق 23 يوليو 2012 م
عدد الزيارات : 22147
التقرير الإستراتيجي (18) [ 14-21 يوليو 2012 ]
أولاً: مالذي حصل في دمشق؟
ثانياً: الاستعدادات الإقليمية والدولية للاحتمالات الناتجة عن تدهور الأوضاع

 تقرير أسبوعي تعدّه وحدة الرّصد بالمكتب السياسي في هيئة الشام الإسلامية، يتضمن معلومات مفصلة عن التطورات العسكرية والمواقف الدولية من الأحداث الجارية في سوريا، ويعتمد على تقارير عسكرية غربية، ودراسات مراكز الفكر، وغيرها من المواد التي لا تنشر في وسائل الإعلام

أولاً: مالذي حصل في دمشق؟

شهدت العاصمة السورية في مطلع شهر يوليو الجاري تكثيف الإجراءات الأمنية، وتعزيز حماية كبار المسؤولين في النظام، وعلى رأسهم بشار أسد الذي أصبح يقبع تحت حراسة مشددة بعد انتشار أنباء عن محاولات لتسميمه في شهر يونيو الماضي، كما تزايدت وتيرة انشقاق الضباط من الرتب العسكرية الرفيعة عن جيش النظام، منهم 13 برتبة لواء، و25 عميد، وأكثر من مائة ضابط برتبة عقيد يقيمون في تركيا وحدها، فضلاً عن عدد كبير من الطيارين وكبار الضباط الذين لجأوا إلى الأردن وإلى عواصم عربية وغربية أخرى.

وفي ظل تدهور الأوضاع الأمنية في العاصمة ونجاح كتائب الجيش الحر في اغتيال مجموعة من القادة الأمنيين والعسكريين؛ صدرت تعليمات في 8 يوليو بمنع قادة جيش النظام من التنقل داخل العاصمة في سيارات عسكرية، وإلزامهم باستخدام سيارات مدنية خوفاً من استهدافهم من قبل الجيش الحر، حيث تم اختطاف واغتيال عدد منهم في عمليات نوعية خلال الأيام الماضية.

وفي هذه الفترة الحرجة بالنسبة للنظام؛ أعلن الجيش السوري الحر في 15 يوليو عن البدء في عملية "بركان دمشق"، والتي نتج عنها اندلاع مواجهات عنيفة في أحياء: الميدان والقابون والمزة واليرموك والسيدة زينب.

وبعد يومين من إعلان الجيش الحر بدء العلميات في دمشق أعلن النظام عن وقوع انفجار في مبنى الأمن القومي يوم الأربعاء 18 يوليو، ومقتل كل من: وزير الدفاع العماد داود راجحة، ونائبه العماد آصف شوكت، ومستشار الرئيس العماد حسن تركماني، كما أعلن النظام عن وفاة هشام اختيار متأثراً بجروحه يوم الجمعة.

لكن مصادر مطلعة تؤكد أن حقيقة الأحداث تختلف عن السيناريو الذي أراد النظام رسمه، خاصة وأن مقتل الشخصيات القيادية قبل نحو شهرين قد بات مؤكداً؛ وذلك من خلال وفاتهم مسمومين في عملية سابقة لم يعلن عنها.

وتؤكد مصادر مطلعة أن انفجاراً قد وقع بالفعل في مبنى الأمن القومي، وأن شخصيات أخرى قد قتلت في ذلك الانفجار غير الذين أعلن مقتلهم، فعلى الرغم من انتشار شائعات كثيرة حول الأشخاص الذين قتلوا أو أصيبوا في ذلك الانفجار؛ إلا أنه من المؤكد أن عدداً أكبر من أعضاء خلية الأزمة كانوا حاضرين في موقع التفجير، وقد غاب جميعهم عن الجنازة الرسمية لراجحة وتركماني والتي اقتصر حضور الشخصيات الكبيرة فيها على نائب الرئيس فاروق الشرع ووزير الدفاع الجديد فهد جاسم الفريج ورئيس مكتب الأمن القومي محمد سعيد بختيان.

 ويبدو أن الضربة كانت قاسية على النظام؛ إذ يبقى مصير مجموعة أخرى لا تقل أهمية عمن تمت تسميتهم مجهولاً، وعلى رأسهم:  مدير إدارة المخابرات العامة اللواء علي المملوك، ومدير إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل الحسن، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء عبد الفتاح قدسية، ورئيس شعبة الأمن السياسي اللواء محمد ديب زيتون الذين تأكد حضورهم ذلك الاجتماع لكن مصيرهم لا يزال عرضة للشائعات، فضلاً عن شخصيات أخرى غير سورية، لكن تأكيد تلك الشائعات غير ممكن في ظل التعتيم الذي يمارسه النظام، ورغبته في إخراج العملية بطريقة تتناسب مع طبيعة الأهداف التي يريد تحقيقها من بث تلك الأخبار.

وكشفت مصادر مقربة من النظام أن التفجير حصل داخل الغرفة التي كان فيها المسؤولون الكبار مجتمعين، حيث جرى إدخال شرائح من مادة (c4) شديدة الانفجار حجم الواحدة منها أقل من حجم جهاز الموبايل الصغير، هذه الشرائح جرى إلصاقها بأسفل طاولة الاجتماعات عند مكان جلوس كل مسؤول من المسؤولين المجتمعين.

ويقول المصدر إن إدخال الشرائح المتفجرة جرى عبر شاب جامعي في العقد الثالث من العمر، وهو متعاقد مدني مع مكتب الأمن القومي منذ عدة سنوات ويحظى بثقة رئيس المكتب هشام اختيار، وتشك السلطات السورية في أن الشاب جرى تجنيده من أجهزة مخابرات خارجية ليتم إيصال الشرائح إليه عبر وسيط يعمل لصالح المعارضة، وقد تبنت أكثر من جهة تنفيذ هذه العملية فور وقوعها.

وقد اختار النظام توقيت الإعلان عن مقتل شخصيات كانت قد قتلت مع بدء عمليات الجيش الحر في دمشق، للتغطية على مقتل شخصيات قيادية أخرى من جهة، ولأسباب تتعلق بالرغبة في طلب تدخل قوى خارجية "صديقة" لمساعدة بشار أسد في السيطرة على الأوضاع عقب انتشار التمرد في صفوف ضباط النظام بعد مقتل قادتهم الأمنيين والعسكريين.

كما تؤكد مصادر مطلعة في دمشق أن النظام يمر بمرحلة فرز جديدة حيث تبين لبشار أسد وجود تململ لدى بعض الضباط من سوء إدارته للأزمة، وذكر تقرير أمني غربي أن بشار كان يعلم بوجود اتصالات سرية لبعض ضباطه مع أجهزة استخبارات غربية لكنه لم يتمكن من معرفة طبيعة هذه الاتصالات، ولم ينجح في الكشف عن الجهات المتورطة، فعمد إلى حركة تعيينات احترازية في القيادة أدت إلى سخط مجموعة من المقربين منه، ومغادرتهم البلاد.

ولا شك في أن إعلان شغور مناصب في إدارة الخلية سيساعد بشار أسد على إعادة ترتيب صفوفه، وإقصاء الضباط والمسؤولين الذين يشك في ولائهم.

ويمكن ملاحظة أن أغلب الضباط "المنشقين" مؤخراً لم ينضموا إلى الجيش الحر، ولم يخرجوا بأي تصريحات معادية للنظام، بل اتخذوا مواقف محايدة بين المحورين: الروسي والغربي ريثما تتضح الأمور؛ إذ يطمع أغلبهم في تولي مناصب قيادية في الترتيبات الجديدة بعد سقوط بشار.

وعلى الرغم من تزايد وتيرة الانشقاقات في غضون الأسبوعين الماضيين؛ إلا أن الخسائر الأكبر التي تكبدها النظام تمثلت في الضربات الثلاثة التالية:

  1. انشقاق أهم مسؤولين عن تجنيد الشبيحة وتنسيق عملياتهم في سائر أنحاء البلاد، وهما العميد عبد الرحمن الطحطوح رئيس فرع الأمن السياسي، واللواء محمد قدسية نائب رئيس "الضابطة الفلسطينية"، وأدى ذلك إلى فقدان النظام أهم أركان عمليات القمع على مستوى المدنيين.
  2. اغتيال أحد أبرز العناصر من الصف الثاني في إدارة العمليات العسكرية وهو اللواء علي خلوف نائب رئيس فرع فلسطين بالقرب من عدرا.
  3. ت‌-انشقاق رئيس أركان الحرب الكيميائية السابق اللواء عدنان نورس سلو الذي لجأ إلى تركيا مع ستة ضباط برتبة لواء لم يكشفوا عن انشقاقهم.

وعلى إثر تلك الخسائر الفادحة شعر بشار أسد أن الدائرة تضيق من حوله بعد أن فقد قادة الصف الأول قبل شهرين، ثم فقد بعد ذلك مجموعة من "نخبة" الصف الثاني من قادته الأمنيين والعسكريين؛ فاضطر في مطلع شهر يوليو إلى اتخاذ أربعة إجراءات رئيسة:

1-القيام بتعيينات جديدة في القيادة العسكرية، ونقل بعض الضباط من مراكز قواهم إلى ألوية أخرى، وشملت التعديلات نحو أربعين ضابطاً، نتج عنها سخط بعض المقربين وعلى رأسهم قائد اللواء 108 في الحرس الجمهوري العميد مناف طلاس الذي غادر مغضباً، وتبعته مجموعة من الضباط الذين لجأوا إلى الأردن خوفاً من بطش النظام، في حين كثرت التكهنات حول مصير رستم غزالة الذي تعرض منزله للقصف وفر بعض أفراد أسرته، لكنه ظهر في الإذاعة يؤكد أنه باق على ولائه للنظام، وبدا من تلك التحركات أن ضباط النظام أخذوا في مغادرة السفينة الغارقة التي يقودها بشار، رغبة منهم في تسجيل موقف يحميهم ويزيح عنهم عبء الوقوع تحت طائلة القانون الدولي في حال انهيار السلطة.

2-نظراً لانشقاق عدد من كبار الضباط المسؤولين عن الأسلحة الكيميائية ويقين النظام بأن مواقعها وتفاصيلها باتت مكشوفة؛ فقد بادر إلى نقلها لمواقع أخرى، ونتج عن ذلك قيام أجهزة استخبارات غربية بإرسال رسائل عبر قنوات خاصة تتضمن تحذيراً شديد اللهجة إلى بشار أسد من محاولة نقل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية المخزنة إلى  جنوب البلاد، أو إرسال البعض منها إلى حلفائه في لبنان مما يشكل تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل، وأكدت هذه الجهات بأنها ستستهدف القوات النظامية بضربات جوية إذا حاولت نقل هذه الأسلحة.

3-تكثيف الوجود العسكري حول المباني الحكومية وفي مداخل العاصمة وضواحيها، والزج بست كتائب من قوات النخبة العلوية الموالية لبشار في مواجهة قوات الجيش الحر التي تمركزت في حيي الميدان والتضامن (واللذين يقدر تعداد سكانهما بنحو 1.8 مليون نسمة)، وذلك يوم الإثنين 16 يوليو، بهدف القضاء على هذه القوات قبل أن تتمكن من الزحف إلى قلب العاصمة.

4-الإعلان عن تفجير مبنى الأمن القومي، ومقتل قادة غرفة العمليات على إثر اشتداد المعارك في دمشق وفرار أهم العناصر المؤيدة له، وذلك بهدف إقناع القوى "الصديقة" بصعوبة موقف بشار، وضرورة التدخل لدعم نظامه الذي يوشك على الانهيار.

وتتمثل ملامح خطة النظام للتعامل مع عمليات الجيش الحر في دمشق فتتمثل فيما يلي:

المرحلة الأولى:حماية المباني الحكومية ومنع الجيش الحر من الوصول إلى وسط العاصمة والسيطرة على المنشآت الرسمية بها، ومن ذلك نقل مقر القيادة العسكرية إلى مبنى محصن بشارع الشهداء في قلب العاصمة في منطقة يطلق عليها: "المقر الصيفي"، وتتخذ في الأيام العادية مقراً لإدارة التموين.

المرحلة الثانية:محاصرة قوات الجيش الحر في منطقتي التضامن والميدان، واستنزافهم من خلال القصف المكثف عبر كتائب مدفعية ودبابات وسلاح جوي من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة.

المرحلة الثالثة:اجتياح هذه الأحياء من قبل القوات الخاصة المدربة على عمليات الاقتحام، تسندهم مجموعات من الشبيحة لبث الرعب والهلع في تلك المناطق التي يظهر سكانها تأييداً للجيش الحر.

وترى مصادر أمنية غربية أن قادة النظام قد اتبعوا تكتيكات مغايرة للدفاع عن العاصمة من كتائب الجيش الحر، حيث أتاحوا لمقاتليهم مجال التمركز في حيي التضامن والميدان بهدف محاصرتهم فيها، ومن ثم القضاء عليهم، وترى هذه المصادر إمكانية تكرار أحداث بابا عمرو في تلك المناطق من قبل قوات النظام.

ونظراً لانضمام عدد كبير من الفلسطينيين للثورة في مخيم اليرموك؛ فقد تم الزج بعدد كبير من المدرعات في تلك المناطق واستهدافها بقصف مكثف خلال الأيام الماضية.

وعلى إثر فشل النظام في وقف عمليات الجيش الحر، وتقلص الدائرة المحيطة ببشار أسد؛ فقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الإدارة الأمريكية باتت تخشى من إمكانية استخدام النظام أسلحة كيميائية ضد عناصر الجيش الحر والمدنيين الذين يقيمون في المناطق التي تخضع لسيطرتهم.

أما من جانب الجيش الحر فتؤكد المصادر أن عددهم قد ارتفع ليبلغ نحو 50 ألف مقاتل منهم 20 ألفاً من الجنود المنشقين عن جيش النظام، أما عدد الكتائب فقد ارتفع بصورة كبيرة ليبلغ نحو 260 كتيبة يتباين عددها وتجهيزها.

كما بذل الجش الحر في الفترة نفسها جهوداً حثيثة لتوحيد قيادته، وتطوير وسائل الاتصال بين كتائبه، وإنشاء شبكات فاعلة لتوصيل الأسلحة إلى مختلف المناطق عبر العراق والأردن وتركيا ولبنان؛ ونتج عن ذلك نجاحهم في الحصول على أسلحة متطورة مضادة للدروع مكنتهم من تدمير عدد كبير من دبابات "ت72"، وفي غضون الأيام الماضية بات واضحاً أن النظام قد فقد السيطرة على العديد من المواقع شمال وغربي البلاد، ولم يعد يسيطر إلا على المناطق التي تخضع لتواجد عسكري مكثف، في حين يسيطر الجيش الحر على أجزاء أكبر من البلاد ويتمتع بدعم شعبي ملحوظ في المناطق التي تخضع لسيطرته.

وعلى الصعيد نفسه ذكرت صحيفة "جارديان" البريطانية في 17/7/2012 أن انشقاق السفير السوري في العراق نواف الفارس يشكل ضربة موجعة للأسد، حيث ينتمي الفارس إلى عشيرة الدميم التي تشكل جزءاً من قبيلة العقيدات السنية الكبيرة الموجودة في شرق البلاد، لا سيما في دير الزور، وكذلك في العراق والأردن وفي شمال المملكة العربية السعودية، ورأت الصحيفة أن ولاء الفارس الأول هو لعشيرته ثم للنظام، كما أن خبر انشقاقه عن النظام لاقى استحسان العديد من كبار هذه العشائر، وبالتالي فإن بشار أسد خسر بانشقاق السفير السوري فرصة أن تدخل هذه العشائر في حرب فيما بينها، وأضافت الصحيفة أن: "الفارس سلح أفراد عشيرته قبل انشقاقه عن النظام، ونظمها تحسباً لأي حرب يمكن أن تقع مع أي عشيرة سنية انضمت إلى الثورة السورية".

وقال فارس في آخر تصريحاته إن "النظام منهار على كافة الأصعدة، والكل يعلم أنه انتهى، والأمر هو مجرد وقت".

ورأى تقرير أمني أن انسحاب جيش النظام من مناطق مختلفة من شمال وشمال غربي البلاد يشير إلى أن بشار أسد لا ينوي التنازل عن الحكم، بل يرغب في ترسيخ نفوذه في دمشق ومحيطها، وذلك في مقابل الاعتراف بعجزه عن فرض سيطرته في المناطق المتاخمة للحدود، وفي ظل تركيز الجيش الحر على تصعيد حملته في حلب ونجاحه في السيطرة على معابر حدودية مع تركيا والعراق؛ فإن الأوضاع تشير إلى إمكانية قيام دولة في الشمال تتشكل فيها حكومة مؤقتة، ويتم من خلالها استيعاب اللاجئين وتأمين الحدود مع كل من تركيا والعراق بالتعاون مع قوى إقليمية لا ترغب في انتشار الصراع.

ثانياً: الاستعدادات الإقليمية والدولية للاحتمالات الناتجة عن تدهور الأوضاع

أدت حالة الفوضى التي أعقبت اندلاع المعارك في دمشق والإعلان عن تفجير مبنى الأمن القومي إلى إعلان حالة التأهب في جميع الدول المجاورة.

أما في واشنطن فقد عقد اجتماع أمني ضم أعضاء من البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارتي الخارجية والدفاع لتقييم الأوضاع في سوريا، وبحث الاجتماع احتمالات ردود فعل بشار أسد، والمواقف التي يمكن تتخذ إزاءها.

كما عقد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك اجتماعاً ضم كبار القادة الأمنيين والعسكريين منهم رئيس الأركان اللواء غانتز، وقائد المنطقة الشمالية، ورئيس الاستخبارات العسكرية وقائد قسم التخطيط، وذلك لمناقشة احتمالات خروج الأوضاع عن السيطرة، وتناول الاجتماع محاولة الإجابة على السؤالين المحوريين:

1- هل ستصمد قيادة الجيش وأجهزة الاستخبارات أمام هذه الضربة التي أطاحت بكبار قادتها؟

2- هل يمكن أن يتعامل بشار أسد بطريقة غير عقلانية من حيث المبادرة إلى توجيه ضربات لبعض جيرانه بهدف حرف الأنظار عن الوضع المتردي في بلاده؟

وقد جاءت المخاوف الأمريكية و"الإسرائيلية" على إثر المناورات التي أجراها جيش النظام في 12 يوليو، وشملت التدريب على نصب منصات وإطلاق صواريخ  يمكن أن تحمل رؤوساً كيميائية، وفي اليوم التالي (13 يوليو) عمد جيش النظام إلى وضع بعض أسلحته الكيمائية في وضعية إطلاق بقواعد في حمص واللاذقية وحلب.

وأسفرت المباحثات الأمنية-العسكرية في تل أبيب عن تصريح وزير الدفاع "الإسرائيلي" إيهود بارك يوم الجمعة 20 يوليو أن "إسرائيل" تستعد لتدخل عسكري محتمل في سوريا، إذا سلمت الحكومة السورية صواريخ أو أسلحة كيميائية لحزب الله، وأضاف: "نتابع احتمال نقل أنظمة ذخيرة متطورة، لاسيما الصواريخ المضادة للطائرات أو الصواريخ أرض أرض الكبيرة، لكن من المحتمل أيضا أن يجري نقل أسلحة كيماوية من سوريا إلى لبنان".

ويكمن مصدر القلق لدى أجهزة الاستخبارات الغربية في أن بشار أسد قد فقد أهم مستشاريه الأمنيين والعسكريين، وأصبح من المتعين عليه أن يقرر منفرداً كيف يتعامل مع الأسلحة الخطيرة بين يديه، خاصة وأنه قد سارع إلى توجيه الاتهام لأجهزة استخبارات عربية ودولية في عملية التفجير مما يؤكد مخاوف من إمكانية أن يقوم بتصرف أحمق ضد القوى التي يعتقد أنها متورطة في تلك العملية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا و"إسرائيل" وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر.

وكان النظام السوري قد قام بإعادة توزيع أسلحة صاروخية تحمل غازات: "مسترد" و"ساينايد" وغاز الأعصاب "سارين"، والتي بقيت مخزنة في مستودعات سرية مدة سنوات، وقد تم وضع مجموعة منها في وضعية إطلاق بالقرب من حمص واللاذقية وحلب، وترى أجهزة الاستخبارات الغربية أنه كلما طال أمد المعارك في دمشق كلما زادت مخاطر استخدام هذه الأسلحة ضد بعض دول المنقطة.

ويخشى القادة الغربيون من أن سقوط العاصمة بيد الجيش الحر سيؤدي إلى ردود فعل عنيفة من قبل القوات الموالية لبشار أسد، وكذلك من قبل إيران وحلفائها في المنطقة والذين لن يقبلوا بسيطرة المعارضة على دمشق.

وتطرح في الأروقة الغربية والعربية بعض السيناريوهات المتعلقة باتساع نطاق الصراع الدائر في دمشق، حيث يمكن أن تستهدف منشآت نفطية في بعض دول الخليج العربي، كما يمكن أن تستهدف مواقع عسكرية تابعة للكيان الصهيوني.

وتشير مصادر يهودية إلى أن هذه المخاوف باتت مبررة في ظل كشف السلطات القبرصية يوم السبت 14 يوليو عن إلقاء القبض على عنصر من "حزب الله" وهو يخطط لاستهداف طائرة "إسرائيلية" وسياح أجانب في ليماسول.

ويرى اليهود أن إيران تسعى لتنفيذ عمليات في جزر البحر المتوسط ضد "إسرائيل"، وقد يكون أحد أهم أهدافها محطة الغاز التي تقع على بعد 80 كم غرب حيفا، كما يتحدث الإيرانيون علناً عن إمكانية إغلاق مضيق هرمز واستهداف منشآت نفطية خليجية في الوقت نفسه.

وعلى إثر تلك التطورات أمر قائد سلاح البحرية اليهودي اللواء رام روثبيرج باستدعاء خمس سفن حربية ومجموعة غواضات لحماية منشآت الغاز تحسباً لهجوم قد يأتي من جهة البحر المتوسط.

وتحدث تقرير أمني بريطاني عن إمكانية لجوء النظام السوري إلى شن هجمات بأسلحة كيميائية على معارضيه في حمص واللاذقية وحلب، وفي الوقت ذاته قد يعمد إلى حرف الأنظار عن جرائمه من خلال استهداف مجموعة من الأهداف في الشرق الأوسط وعلى رأسها المنشآت النفطية في دول الخليج العربي.

وأشار التقرير إلى أن الحملة الأولى من صواريخ أرض-أرض السورية ستحمل رؤوساً متفجرة تقليدية، لكن الضربة الثانية يمكن أن تحمل رؤوساً بيولوجية وكيميائية، وأكد التقرير أن جيش النظام قد أعد قائمة بالأهداف التي سيتم قصفها في حال تعرض النظام لضربة جوية.

وعلى إثر القيام بمناورات لإطلاق صواريخ متوسطة المدى برؤوس يمكن أن تحمل أسلحة كيميائية؛ عقد البيت البيض اجتماعاً سرياً لدراسة مدى خطورة هذه المناورات واحتمالات الرد عليها، حيث اعتبرت هذه المناورات رسالة بأن النظام السوري يمكن أن يستخدم هذه الورقة في حال توتر الأوضاع أو تصاعد الضغوط عليه.

ورأت مصادر أمنية أوروبية أن احتمال الإعداد لضربات صاروخية بأسلحة كيميائية بات مرجحاً، وبأنه قد تم بالفعل نقل أسلحة تستهدف المدنيين للقيام بعمليات تطهير ضد مقاتلي الجيش الحر، حيث تم وضع هذه الأسلحة في وضعية الإطلاق في مناطق باللاذقية وحمص وحلب.

وفي 21 يوليو أكدت صحيفة "ديلي تلغراف" أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي آيه" تشارك في سباق البحث عن "الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية" قبل فوات الأوان.

وتشير الصحيفة إلى أنه مع تحرك المعارضة المسلحة إلى قلب العاصمة دمشق وأيام الرئيس بشار أسد التي يبدو إنها باتت معدودة، فإن الاستخبارات الأمريكية تسابق الزمن للعثور على الأسلحة، وقد أرسلت بالفعل ضباطها إلى المنطقة لتقويم برنامج التسلح السوري، وينقل التقرير عن أحد هؤلاء المسؤولين قوله: "مهمة السي آي آيه الأساس الآن هي العمل مع المنشقين العسكريين للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات في شأن أسلحة الدمار الشامل السورية"، ويضيف المسؤول إن المخابرات الأمريكية تركز أيضاً على رصد الاتصالات الهاتفية ورسائل البريد الالكتروني وصور الأقمار الصناعية والمعلومات الاستخباراتية الأخرى بهدف تحديد مكان وجود الأسلحة السورية.

وينوه التقرير إلى أن من بين القضايا الجاري مناقشتها في البيت الأبيض الآن ما يتعلق بالشخصيات من الحكومة السورية الحالية التي يمكن أن تبقى في حالة انهيار النظام، والسبل التي ستلجأ إليها الولايات المتحدة لحماية الأقليات العرقية والدينية في سوريا.