الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
العملية السياسية بسورية.. بين متاهات اللجنة الدستورية وفخاخ التجاذبات الدولية
الاثنين 3 ربيع الآخر 1440 هـ الموافق 10 ديسمبر 2018 م
عدد الزيارات : 2260

 

العملية السياسية بسورية.. بين متاهات اللجنة الدستورية وفخاخ التجاذبات الدولية


بينما يتم تداول قضية تشكيل اللجنة الدستورية كإحدى خطوات الوصول إلى الحل السياسي في سورية، تتملك السوريين هواجس كثيرة من أن يتحول تشكيل هذه اللجنة إلى إحدى محطات المماطلة لإلهاء السوريين، وتشتيت مطالبهم عن الانتقال إلى دولة المواطنة والحقوق والديمقراطية، ووسيلة لإعادة إنتاج نظام القمع والاستبداد.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن مشكلة السوريين لم تكن يوماً ما كامنة في الدستور. بل هي أعمق من ذلك بكثير. مشكلة السوريين التي دفعتهم للثورة، تتلخص في أنَّ الدولة السورية كلها اختزلت بشخص واحد هو الرئيس، حيث جمع نظام الأسد كافة السلطات في يد الحاكم، فرئيس الجمهورية هو الذي يرأس السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، كما أن البرلمان تحت سيطرته المطلقة.
ثمة محاولات خجولة من أجل تحريك العملية السياسية في سورية، فقد دعت القمة الرباعية التي عقدت مؤخراً في إسطنبول، والتي ضمت رؤساء دول كل من تركيا، وفرنسا، وروسيا، بالإضافة إلى ألمانيا، إلى تحريك العملية السياسية في سورية. حيث توصل القادة، بحسب البيان الختامي للقمة، إلى اتفاق على الدعوة لتشكيل لجنة دستورية تعقد اجتماعها الأول في جنيف قبل نهاية العام، إذا سمحت الظروف بذلك.
قيام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بإنهاء مهمة مبعوثه العتيد للقضية السورية، ستيفان ديميستورا، تشير إلى نهاية مرحلة، وبداية أخرى على صعيد العملية السياسية في سورية. ديميستورا الذي شرق وغرب، عمل دونما خطة أو استراتيجية واضحة المعالم، فلا هو نجح في مهمته كدبلوماسي من المفترض أن يكون محايداً، ولا هو أفلح في نيل رضى أو قبول أحد سواء النظام أو المعارضة.
من الواضح أن ديميستورا أعطى وعوداً للروس يصعب تلبيتها، لذلك اقتضى الأمر استبداله بموفد آخر، هو الدبلوماسي النرويجي بيدرسون، الذي يملك خبرة جيدة في مجال النزاعات الدولية، بحكم مشاركته في عملية مفاوضات أوسلو بخصوص القضة الفلسطينية.

* تشكيل اللجنة الدستورية
لا زال الغموض يكتنف مسألة تشكيل اللجنة الدستورية، حيث نقاط الخلاف بين الدول المعنية أكثر من نقاط الاتفاق. هذا بالإضافة إلى الشروط الأربع التعجيزية التي اشترطها نظام بشار الأسد حول تشكيلها، وذلك في رسالتين بعثها إلى مجلس الأمن الدولي، والأمين العام للأمم المتحدة.

ونصت الشروط الأربع التي حددها النظام على:
– “ضرورة الالتزام القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها أرضاً وشعباً وأن لا مكان للإرهاب على الأراضي السورية”.
– “يجب أن تتم العملية كلها بقيادة سورية وعلى أساس أن الشعب السوري صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبله من دون تدخل خارجي”.
– “يجب عدم فرض أي شروط مسبقة أو استنتاجات مسبقة في شأن عمل اللجنة والتوصيات التي تقررها. اللجنة هي سيدة نفسها التي تقرر ما يصدر عنها وليس أي دولة وليس أي طرف مثل المجموعة الصغيرة التي حددت في شكل مسبق نتائج عملها (لجنة الدستور)”.
– “يجب عدم فرض جداول زمنية أو مهل مصطنعة فيما يخص اللجنة. بل يجب أن تكون خطواتنا مدروسة وأن تشبع نقاشاً لأن الدستور سيحدد مستقبل سورية لأجيال قادمة. لذلك يجب عدم الاستعجال”.
كما جرت العادة، فإن نظام الأسد لا يرفض بشكل مباشر الاستحقاقات الدولية مباشرة، إنما يقوم بالالتفاف عليها وتفريغها من مضمونها. وكلما كانت هناك خطوة في طريق الحل السياسي، يعمد النظام إلى وضع الشروط والعراقيل في وجهها، متسلحاً بالفيتو الروسي في مجلس الأمن، الذي يحميه ويمنع معاقبته على جرائمه وتجاوزاته.
اشتراط النظام ضمنياً أن تكون له الأغلبية في اللجنة الدستورية، وأن يحوز على حق “الفيتو” فيها، وأن تكون الرئاسة بيده، وأن يمنح حق تعديل بعض مواد الدستور دون كتابة دستور جديد، يعني عملياً رفضه للعملية الدستورية برمتها.
يعول نظام الأسد على الدور الروسي في خلق مسار مواز، يستبعد دور الأمم المتحدة، ويلغي إشرافها على العملية السياسية وفق مقررات جنيف. وهذا يعزز مخاوف المعارضة من تشكيل “لجنة دستورية” تنتج دستوراً لصالح النظام، يسمح ببقاء الأسد في السلطة.


* اتفاق سوتشي ما زال على المحك
كما هو معلوم فإن اتفاق سوتشي أبرم بمساعي تركية وبجهود شخصية خاصة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بهدف تجنيب مدينة إدلب كارثة إنسانية خطيرة كانت تنتظرها. وفيما يبدو الطرف التركي حريصاً كل الحرص على الالتزام ببنود الاتفاق بشكل كامل، يقوم الطرف الروسي باستخدام الاتفاق كورقة ضغط على تركيا والدول الأوروبية التي تخشى موجات النزوح. فكلما بدت ملامح تقارب بين تركيا والولايات المتحدة، عمد الروس إلى دفع النظام لخرق الاتفاق بحجة الحرب على “هيئة تحرير الشام”، المصنفة كمنظمة إرهابية بحسب الأمم المتحدة. الأمر الذي يعطي الروس ونظام الأسد حجة مبررة لقصف إدلب ومحيطها والمناطق العازلة.

* محددات السياسة الأمريكية في سورية
تبني الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجيتها في سورية مؤخراً وفق محاور ثلاثة:

– الحرب على الإرهاب
مع عودة تنظيم داعش للنشاط شرقي سوريا على الشريط الحدودي مع العراق، عاد نشاط القوات الأمريكية، التي زادت من جرعة هجماتها وقصفها لمواقع التنظيم. رافق ذلك في زيادة الدعم لمسلحي “قسد”، أو ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، التي تهدد تركيا باقتحام مواقعها شرق نهر الفرات.
الدوريات المشتركة بين القوات التركية والقوات الأمريكية في مدينة منبج باشرت عملها. لكن هذه الخطوة ما زالت بعيدة عن تطمين الطرف التركي وإزالة مخاوفه من نشاط الميليشيات الانفصالية الإرهابية في شمال سورية.
الرئيس أردوغان رفع من وتيرة خطابه وتهديده بقرب عملية عسكرية ضد ميليشيات “قسد”، شرق الفرات. وبالتوازي مع خطاب أردوغان، قامت القوات البرية التركية المتمركزة في المناطق الحدودية باستهداف مواقع مليشيات بي كا كا / ب ي د الإرهابية، في الطرف السوري المقابل.
الطرف الأمريكي رد على الطرف التركي بتسيير دوريات مشتركة مع تلك المليشيات على طول الحدود مع تركيا. لكن ذلك لن يمنع القوات التركية من استهداف مواقع تلك الميليشيات في أماكن أخرى.


– حصار إيران
قبل أسبوع، أعلنت إدارة الرئيس ترامب الدفعة الثانية من حزمة العقوبات على إيران. من المبكر لأوانه الحديث عن ردة فعل إيرانية في الوقت الحاضر، لكن الرد الإيراني على العقوبات الأمريكية، وخصوصاً عندما تشتد آثارها لن يكون مستبعداً. حيث من المحتمل أن يقوم الإيرانيون بالتصعيد على أكثر من جبهة. ابتداء من غزة إلى لبنان فالعراق فاليمن، ولن تكون الساحة السورية بمعزل عن التجاذبات الأمريكية الإيرانية.

– العملية السياسية
لا يبدو الأمريكان في عجالة من أمرهم بخصوص العملية السياسية في سورية، طالما أن الصراع هناك يؤدي إلى استنزاف جميع الأطراف، والتدخل في الوقت المناسب استراتيجية أمريكية قديمة، يستخدمونها منذ الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا.
تعيين السفير جيمس جيفري، مبعوثاً أمريكياً إلى سوريا، رسالة تلقتها الأطراف المعنية بالمسألة السورية على أنها رغبة من الطرف الأمريكي في تفعيل العملية السياسية من جديد.
تركيا التي تعمل جنباً إلى جنب مع الروس بسبب جديتهم وفاعليتهم، ترحب بعودة الأمريكان للعب دور فاعل في العملية السياسية في سورية، إذ لا حل ممكناً بدون مشاركتهم، بل قيادتهم للعملية.
الانفراج في العلاقات بين تركيا ودول الخليج، وحتى التقارب المصري السوداني، جميعها رسائل إيجابية تدفع باتجاه تنقية الأجواء وتهيئة الظروف لبداية عملية سياسية في المنطقة.