السبت 2 ربيع الآخر 1446 هـ الموافق 5 أكتوبر 2024 م
التهجير إلى الشمال السوري رحلة الفقد والألم
الأربعاء 26 ذو القعدة 1439 هـ الموافق 8 أغسطس 2018 م
عدد الزيارات : 12104

 

التهجير إلى الشمال السوري
رحلة الفقد والألم

 

شهدت مناطق عديدة من سورية عمليات تهجير قسري لعشرات الآلاف من السوريين من مدنهم وقراهم، بعد حملات عسكرية شرسة شنها النظام السوري وحلفاؤه، بدأ التهجير على يد (حزب الله) اللبناني وجيش النظام في منطقة القصير، حتى وصل إلى مدينة حلب ومدن وبلدات ريف دمشق وبعض نواحي حوران، ففي آذار الماضي توصلت روسيا إلى اتفاق مع الثوار يقضي بخروج المقاتلين بالسلاح الخفيف من مدينة دوما وخروج كل من يرغب من سكان المدينة التي عانت من سنوات القصف والحصار، إلا أن النظام نقض الاتفاقية، واستمر في  حملته، وتعرّضت دوما إلى هجوم بالأسلحة الكيماوية،  ثم استؤنفت المفاوضات وانتهت بتهجير السكان من أراضيهم.

 ورأى العديد من المتابعين أن هذا الاتفاق الذي عقده الروس مع الثوار في الغوطة الشرقية يأتي متابعة لمخطط تغيير ديموغرافي، يسعى النظام من خلاله إلى تفريغ المناطق المحررة من المقاتلين والمدنيين وتجميعهم في الشمال السوري، خاصة في مدينة إدلب، في وقت يشهد الصراع على النفوذ في سورية مرحلة حرجة.

ولا يخفى على أحد أن تهجير هذا العدد الكبير من الناس إلى منطقة جغرافية ضيقة غير مؤهلة لاستقبال المهجرين أصلا سيخلق مشاكل عديدة، ونتيجةً لذلك يعاني الشمال السوري اليوم من أزمة إنسانية كبيرة ويواجه تحديات صعبة، من ذلك غياب الخدمات الأساسية والاكتظاظ السكاني وعدم توفر الأماكن السكنية الجيدة، وقلة فرص العمل والتعليم، والأخطر من ذلك هو الانفلات الأمني والاقتتال بين الفصائل وعدم الاستقرار.

والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن مواجهة هذه التحديات؟ وهل تستطيع المؤسسات والجمعيات الخيرية استيعاب متطلَّبات المهجَّرين والوصول إليهم بشكل عادل؟ وهل سيكون للأطفال فرصة لمتابعة التحصيل الدراسي في أماكن اللجوء الجديدة؟

في هذا العدد من مجلة نور الشام نتناول جزءًا من ملف المهجرين إلى الشمال السوري، ونلقي الضوء على المشاكل التي يعاني منها المهجرون، والإجراءات المتعلقة بالعملية التعليمية لأطفال المهجرين.

 

مهجرون بلا مأوى

وصلت قوافل المهجرين من أهالي ريف حمص وجنوب دمشق وبعض نواحي حوران إلى الشمال السوري، فبدأت المنظمات والجمعيات والمجالس المحلية في محافظة إدلب وريف حلب بتقديم ما بوسعها لمساعدتهم في تأمين المأوى والغذاء والملابس والمستلزمات الأساسية، كما أظهر كثير من الأهالي تضامنهم مع المهجرين، فرأينا بعض المحلات التجارية تضع عبارات الترحيب بالمهجرين وإعلانات تقديم المواد والخدمات المجانية لهم.

إلا أن المشاكل بدأت بالظهور بعد مدة ليست طويلة، فالاحتياجات تفوق قدرة المنظمات، خاصة وأن دور منظمات الأمم المتحدة في الشمال السوري غائب بسبب عدم الاستقرار الأمني، فاقتصرت المساعدات المقدمة على الجمعيات التركية والمحلية.

التقت (نور الشام) بالأستاذ (إياد عبد العزيز) رئيس المجلسالمحلي لمدينة دوما سابقا ورئيس اللجنة الأهلية لمتابعة شؤون مهجري دوما، ليتحدث لناعن صعوبات تأمين المأوى المناسب لآلاف المهجرين قائلا:"المفروض أن تتضافر الجهود لإيجاد السكن المناسب للمهجرين، وأن تكون هناك استجابة سريعة بحيث يتم إخراج الناس من المخيمات ولو بدفع جزء من الأموال.
إن الحمل كبير جدًا على أهلنا في الشمال السوري، فهناك الكثير من المهجرين من مناطق مختلفة من سورية، من دير الزور والرقة وحماة وحمص وريف دمشق، ولذلك فالحاجة كبيرة جدًا".
 ويصف لنا (إياد عبد العزيز) مراكز إيواء المهجرين في الشمال السوري: " أصبح حال مراكز الإيواء معروفًا لا يخفى على أحد، ومن يرى ليس كمن يسمع، كنا نسمع عن معاناة سكان المخيمات والصعوبات التي يواجهونها، واليوم رأيناها بأعيننا، هذه المخيمات لا تقي الحرّ في الصيف ولا تقي البرد في الشتاء، خصوصًا مع الأمطار الغزيرة هنا، فالسيول تتشكل بسرعة، هذا بالإضافة إلى الحرارة الشديدة جدًا، فالمفروض أن تتوفر لها وسائل العزل المناسبة. ويبدو أن الخيارات كانت محدودة عند بناء هذه المخيمات، فبنيت على أرض غير صالحة اضطرارًا".

وعن المشاريع التي تقدمها الجمعيات والمجالس والحكومة المؤقتة يضيف (إياد عبد العزيز): "الحكومة المؤقتة لم تقدم مبادرة حتى الآن، سمعنا عن مشاريع إيواء، ولكن إلى الآن لم ينسق أحد معنا، كما كانت هناك مبادرات من المجلس المحلي، ومنها أن يقوم المجلس بشراء قطعة أرض لإيواء المهجرين فيها، ولكن المشروع مكلف وكبير، والناس لا تطيق، فأرخص بيت ثمنه 6500 دولار، وأغلب المهجرين لا يملكون هذه المبالغ الكبيرة، فهذا المشروع يحتاج إلى دعم من الحكومة والمؤسسات، ويحتاج إلى تضافر العمل من أجل إنجاحه".

 

الأطفال والعملية التعليمية

خرج أطفال المهجرين مع أهاليهم إلى الشمال السوري يحملون قدرًا كبيرًا من الألم الذي عاشوه طوال سنوات القصف والحصار، ويبدو أنهم  أحد أكثر الأطراف المتضررة، فقد حرموا من التعليم المنتظم، وأثرت أجواء القصف والتهجير فيحالتهم النفسية، فأدى ذلك إلىزرعمشاعرالخوفوالحزنوالقلقوالاكتئابفينفوسهم، ولذلك يشكل تعليم الأطفال ودعمهم نفسيًا تحديات كبيرة تواجه المؤسسات التعليمية في الشمال السوري، فالتعليم حق إنساني لكل طفل، ولذلك سعت مديريات التربية الحرة إلى استيعاب عدد كبير من الأطفال المهجرين في المدارس، يقول الأستاذ عدنان سليك مدير تربية ريف دمشق الحرة لنور الشام: " لا يخفى أن عدد الطلاب المهجرين من الغوطة وحدها إلى الشمال السوري يزيد على 12 ألف طالب تقريبًا في سن التعليم من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، وعندما بدأت عملية التهجير كان هناك تواصل مع السيد وزير التربية د. عماد برق، وكانت هناك سرعة استجابة منه، فوجه كتابًا مباشرًا إلى مديريات التربية لاستيعاب الطلاب والمدرسين بشكل كامل قدر الإمكان".

وعن الكيفية التي تتم بها متابعة أولئك الطلاب فيما يتعلَّق بإكمال تحصيلهم الدراسي في المدراس التابعة لمديريات التربية الحرَّة يقول المهندس راتب العلي رئيس دائرة التخطيط والإحصاء في مديرية ريف دمشق الحرة ورئيس اللجنة الخاصة بالكادر التعليمي للغوطة الشرقية في الشمال السوري:" تتم متابعة الطلاب من خلال التنسيق مع وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة التي وجهت كتبًا وتعميمات إلى مديريّتيْ تربية حلب وإدلب باستقطاب الطلاب الوافدين، فكانت هناك استجابة عالية وسريعة، وتم استقبال الطلاب من كافة المراحل من الحلقة الأولى والثانية والمرحلة الثانوية، وقُدّمت كافة التسهيلات، وذلك بفتح أفواج جديدة ودوام مسائي ثان، وفتح شعب إضافية، وتأمين المستلزمات من كتب وغيرها في هذه المدارس.

وكوننا لجنة تعليمية، نقوم بمتابعة هؤلاء الطلاب عن طريق المدارس التي أُحدثت لهم، وعن طريق التواصل مع المجمعات التربوية، والتنسيق مع السادة مدراء التربية ورؤساء الدوائر المعنيين في هذه المديريات، لتأمين كل ما يمكن من مستلزمات لهؤلاء الطلاب.

وقد وجهت مديريتا تربية حلب وإدلب إلى تمديد التسجيل لطلاب الشهادات الأساسية والثانوية العامة مراعاة لظروف الطلاب، وتم إعفاؤهم من رسوم التسجيل، وتم توفير ما يمكننا توفيره، فكانت الاستجابة ممتازة من حيث مراعاة ظروفهم".

أما استجابة المنظمات فيرى الأستاذ راتب العلي أنها كانت بطيئة، لأنها اتجهت إلى تأمين الإغاثة ومراكز الإيواء، وقد صدف التهجير في نهاية العام الدراسي تقريبا، مما شكل عبئا كبيرًا على المدارس في المناطق التي تغص بالمهجرين والنازحين.

كما أدىوجودالمهجرينبأعدادكبيرةإلىخلقتحدّياتعديدة،ويرتبطعددٌمنهذهالتحديات بكيفية دمجالأطفالفيالمدارس، يقول الأستاذ راتب العلي: "نسعى إلى أن يكون هناك دمج بين الطلاب المهجرين وغيرهم، كيلا يكون هناك فروقات أو تمييز بين الطلاب، ونشير إلى أن هناك مناطق فيها تجمع كبير من النازحين والمهجرين فتستدعي الحاجة إلى مراكز خاصة بالمهجرين من الغوطة وغيرها، وهناك عدة منظمات وعدت بدعم هذه المشاريع الصيفية التي بدأت بها مديريتا حلب وإدلب، وستكون حلا ممتازًا للترميم، لكيلا يفقد الطلاب سنة دراسية كاملة، ولتتم تهيئتهم لالتحاقهم بالمدرسة مع أقرانهم في العام القادم إن شاء الله".

 

إقبال الطلاب وتسهيلات مديريات التربية:

يرى الأستاذ راتب العلي أن هناك انخفاضًا في عدد الطلاب الملتحقين بالمدارس، ومن المعوقات الكبيرة أمام إكمال التحصيل العملي للطلاب هو موضوع عدم استقرار المهجرين، فنجد أن العائلة الواحدة قد تغير مكان إقامتها ثلاث مرات أو أكثر بحثًا عن الأمان وفرص العمل.

ومن التسهيلات التي قدمتها مديريات التربية للطلاب المهجرين أنها راعت أوضاع الطلاب الفاقدين لأوراقهم الثبوتية يقول الأستاذ عدنان سليك: "كان هناك تفهم يتصل بموضوع الورقيات الثبوتية، بشكل يحفظ حق الطالب ولا يتجاوز القوانين التربوية والتعليمية في المنطقة المحررة، طبعًا هذا يجري ضمن خطة وزارة التربية وسياستها، فغالبية الطلاب والمدرسين بلا أوراق بسبب القصف المكثف التي تعرضت له منازلهم، وبسبب حالة التهجير.
أما فيما يتعلق بالطلاب فقد كان يجرى لهم سبر سريع ويحدد صف الطالب بشكل مباشر، وإن كانت معه ثبوتيات فيحدد بحسب أوراقه، مع الإشارة إلى أن 99% منهم لم يجلبوا أي وثيقة لأنهم خرجوا بثيابهم من القصف والدمار، والقليل منهم من استطاع أن يحمل معه حقيبة فيها بعض الملابس والاحتياجات بسبب الظروف القاسية".

 

معلمون مهجرون

هُجِّر عدد كبير من المعلمين الذين كانوا يعملون في ريف دمشق وغيرها من المناطق، وصلوا إلى الشمال السوري باحثين عن حياة جديدة وعمل يواصلون من خلاله الأمانة التي حملوها على عاتقهم، فهل هناك خطة وضعتها مديريات التربية للاستفادة من خبرات هؤلاء المعلمين؟ يجيب الأستاذ عدنان سليك: "يزيد عدد المعلمين الذين هجروا من ريف دمشق على 850 مدرسًا تقريبًا بين إداري ومراسل وعضو في مديرية التربية، قمنا برفع المعلومات الموجودة عندنا للمديريات، ورفعت للأستاذ راتب العلي رئيس اللجنة المكلفة من قبل مديرية التربية لمتابعة شؤون الطلاب والمدرسين، ومن خلال شبكة المعلومات نعرف إن كان هذا الشخص مدرسًا أو غير مدرس، وإن كان له مؤهل علمي أو لا".

وحول الموضوع ذاته يضيف الأستاذ راتب العلي: "بناء على توجيهات وزارة التربية تم استقطاب المعلمين المهجرين الذين كانوا يعلمون في الغوطة الشرقية، وتم استقطابهم في الشهرين الرابع والخامس، وعلى الرغم من أنهم داوموا وتابعوا عملية التعليم عن طريق تكليفهم من قبل المجمعات التربوية، إلا أننا فوجئنا بأن المنظمة الداعمة (مناهل) قالت إنها لن تدعم معلمي الغوطة الشرقية بالرواتب للشهرين الرابع والخامس، وهذا سبّب صدمة كبيرة للمعلمين، فقد كان لديهم أمل في أن تتم معاملتهم أسوة بإخوتهم وزملائهم هنا في الشمال.
 لم نفهم السبب وراء هذا الرد من منظمة (مناهل) على الرغم من كافة محاولات وزارة التربية ومديرية تربية ريف دمشق لإعادة النظر في القرار، ونحن نعلم الظروف القاسية والأحوال المادية الصعبة جدًا لهؤلاء المعلمين.
 إن الكفاءات والمؤهلات والكوادر التعليمية متوفرة سواء من المهجرين أو من أبناء المنطقة، وهناك الكثير من المعلمين الذين يبحثون عن فرص العمل، وهم مستعدون للعمل في هذه المراكز إذا أتيحت لهم الفرصة، طبعًا ستكون هناك مسابقات من خلال مديريات التربية للعمل وستتاح الفرصة للجميع من دون تمييز.
سعينا في اللجنة التعليمة في الشمال السوري بداية إلى التواصل مع وزارة التربية ومديريات التربية والمجمعات التعليمية، وشكلنا قاعدة بيانات كاملة عن المعلمين في الغوطة الشرقية، تضم البيانات الشخصية والمؤهلات العلمية وأرقام التواصل، ستتم الاستفادة من بعضهم في تصحيح الشهادات، وقد قمنا بتزويد مديرية التربية بأسماء هؤلاء المعلمين وستقوم باختيارهم ضمن معايير محددة .
فلدينا كافة البيانات المطلوبة فيما لو طلب منا عدد منهم للمشاركة في أعمال امتحانية أو تعليمية أو نشاطات أخرى في المستقبل".