الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ الموافق 19 مارس 2024 م
كيف قضى حافظ الأسد على ثورة الثمانينات؟
الأربعاء 22 رمضان 1439 هـ الموافق 6 يونيو 2018 م
عدد الزيارات : 16656

 

كيف قضى حافظ الأسد على ثورة الثمانينات؟

 

بعد إحكام حافظ الأسد قبضته على السلطة وجد السوريون أنفسهم أمام ديكتاتور يرسخ حكم الفرد، ويحارب الدين الإسلامي وثوابت المجتمع، ويسلب الحريات ويقمع أي حراك مجتمعي، ويفرغ مؤسسات الدولة العسكرية من عشرات الآلاف من شبابها السنة ويستبدلهم بالعلويين، ويسلبهم مئات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والمعامل، ويضعها في أيدي أبناء طائفته بمظلة التأميم، فما كان من السوريين إلا أن أشعلوا جذوة حراك شعبي وطلابي ونخبوي في وجه حافظ الأسد وعصابته.

كان الحراك الشعبي ضد نظام حافظ الأسد في أوجه عام 1980م، وكانت المطالب تدور حول رفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية والاستثنائية، وإعادة جميع صلاحيات التقاضي إلى القضاء المدني، واستقلال السطلة القضائية عن السلطة التنفيذية، واحترام مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فعلاً وممارسةً، إضافة لإجراء انتخابات حرة نزيهة يختار الشعب من خلالها رجال السلطة التشريعية.

واتفق بين قطاعات الشعب من إسلاميين وشيوعيين وغيرهم على إعلان الإضراب العام يوم 31/3/1980م تأييدًا لهذه المطالب، فأضربت النقابات، وأغلقت الأسواق، وتوقفت الحركة في المدن والأرياف، وطُبعت عشرات الآلاف من النشرات، تبين المطالب المتفق عليها، وخرجت مظاهرات شعبية في مختلف المدن والقرى. حينها قام حافظ الأسد عبر الجيش والتشكيلات المخابراتية والميلشياوية مثل (الكتائب العمالية والكتائب الطلابية، وفتيان علي، وفتيات علي، والفرسان الحمر، وفرق المظليات، وجمعية الإمام المرتضى، والآلاف المؤلفة من عناصر المخابرات والعملاء) قام بأبشع أنواع القمع والاضطهاد والقتل والاعتقال والتعذيب في كل منطقة تشارك في الحراك، وفيما يأتي أبرز تلك الجرائم:

1-مجزرة جسر الشغور:

عقب مظاهرات وعصيان مدني قام به أهالي جسر الشغور قامت الوحدات الخاصة برئاسة العميد العلوي علي حيدر بتطويق جسر الشغور وقصفها بالهاون، ثم اجتياحها في العاشر من آذار لعام 1980م، وأخرجوا قرابة مئة رجل وامرأة وطفل وأطلقوا عليهم النار، إضافة لتدمير عشرات البيوت والمحلات والتمثيل بجثث القتلى أمام أهالي الجسر، والذين ألزموهم التجمهر ومشاهدة التمثيل.[1]

2- مجزرة سجن تدمر 27/6/1980م:

تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال فاشلة في 26/6/1980م من قبل أحد عناصر الحرس الجمهوري، فأمر قواته في نفس الليلة بارتكاب مجزرة مروعة في سجن تدمر انتقامًا من المعتقلين السياسيين، إذ وجه اللواء 40 بقيادة معين ناصيف زوج ابنة رفعت الأسد واللواء 138 الذي يقوده المقدم سليمان مصطفى لاقتحام مهاجع السجن على شكل مجموعات، وقتل على أيديهم بالرصاص والقنابل اليدوية أكثر من 1000 سجين! فيما تمكّن منفّذ عملية الاغتيال من الفرار خارج سورية، واعتقلت أجهزة الأمن 56 فردًا من أسرته وقتلتهم.[2]

3-مجزرة سوق الأحد في حلب 13/7/1980م:

هاجمت سيارات عسكرية سوق الأحد الشعبي، وأخذت تلك العناصر تطلق النار عشوائيًا على الناس مما أدى لمقتل (192) مئة واثنين وتسعين مواطنًا.[3]

4-مجزرة سرمدا 25/7/1980م:

طوقت الوحدات الخاصة بقيادة علي حيدر مدينة سرمدا التي تقع شمال سوريا، وجمعت بعد حملة اعتقالات شرسة ثلاثين من أهاليها في ساحة القرية، ثم أطلقت نار رشاشاتها على (15) خمسة عشرة شخصًا منهم، وربطت بعضهم بالسيارات والدبابات وسحلتهم أمام الناس في القرية.[4]

5-مجزرة المشارقة 11/8/1980م:

في أول أيام عيد الفطر وبقيادة المقدم هاشم معلا، تم تطويق حي المشارقة في مدينة حلب وأخرج الجنود الذكور من البيوت، شيباً ورجالاً وأطفالاً، ومنعوا أصحاب الأحياء المجاورة من دخول الحي، ثم رصوهم بجانب بعضهم وقاموا بإطلاق النار عليهم، قُتل يومها أكثر من 100 قتيل من الرجال والأطفال والكهول، ثم قامت عصابات حافظ الأسد بربط بعضهم وسحلهم في شوارع مدينة حلب ثم تركتهم على مداخل المدينة.[5]

 6-مجزرة حي بستان القصر 12/8/1980م:

في اليوم الثاني لعيد الفطر واليوم التالي لمجزرة حي المشارقة، أكمل المقدم هاشم معلا بأوامر القيادة إرهاب أهالي حلب، إذ جمع قوة من العناصر الطائفية من الفرقة المدرعة الثالثة واقتحم حي بستان القصر وقتل خمسة وثلاثين مواطنًا أخرجهم من بيوتهم.[6]

7-مجزرة سجن تدمر النسائية 19/12/1980م:

استاقت عصابات الأسد (120) مئة وعشرين امرأة كانت سلطات الأسد اعتقلتهن كرهائن من أمهات وأخوات الملاحقين وأودعتهن سجن تدمر الصحراوي، استاقتهن إلى أخدود كبير كانت قد صنعته جرافات الجيش، ثم أوقفت المعتقلات على حافة الأخدود وأطلقت عليهن النار فوقعن في الأخدود مضرجات بدمائهن، ثم أهال المجرمون عليهن التراب وبعضهن يعلو أنينهن.[7]

8-مجازر مدينة حماة: [8]

كانت مدينة حماة من أكثر المدن التي ثارت في وجه نظام البعث، وتعرضت لعدة مجازر ومنها مجزرة كبرى سميت بمجزرة العصر!

أ-المجزرة الأولى إبريل/نيسان 1980م:

حاصرت قوات الأسد المدينة بشكل كامل، وقطعت عن المدينة المياه والكهرباء، وقام المجرمون بقتل عدد من أعيان المدينة واعتقلوا المئات الذين لم يفرج عنهم لاحقاً ولم يعرف مصيرهم.

ب-المجزرة الثانية 24/4/1980م:

 في نفس الشهر من المجزرة السابقة وبالتحديد في 24/4/1980م قامت الدبابات برفقة قوات كبيرة من الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع بتطويق المدينة وقاموا بتعذيب وقتل (335) مواطنًا سوريًا، ألقيت جثثهم في الشوارع والساحات ولم يُسمح بدفنهم إلا بعد عدة أيام.

ج-مجزرة حماة الكبرى شباط 1982م:

تعرضت مدينة حماة لاضطهاد أمني كبير خلال عام 1981م، إذ كان نظام حافظ الأسد قد وجه أجهزته الأمنية والمخابراتية لتأديب أهالي حماة، فكانت تلك الأجهزة تضع الحواجز الثابتة والمفاجئة وتفتش المارة للتأكد من استبدال الهوية، وكانت تهين المارة وتتحرش بالنساء، تعذب الرجال وتهين العجائز، أجبر حاجزٌ أحد الكهول على الرقص فعاد لبيته وبقي فيه لا يخرج من الهم شهرًا كاملاً حتى توفي.

كما هدمت الأجهزة الأمنية العشرات من البيوت واعتقلت المئات من أهالي المدينة من وجهائها وعلمائها.

ومن منتصف كانون الأول لعام 1981م قامت سرايا الدفاع بقيادة المقدم علي ديب باحتلال منطقة السوق وسيطرت على عشرين موقعًا من مبانيها ومؤسساتها، وعشرة مواقع أخرى في منطقة الحاضر، وأقامت أمام تلك المناطق حواجز ثابتة، فيما يبدو أنه تحضير للقيام بعملية كبيرة داخل مدينة حماة.

فيما أصدر المجلس الأمني الأعلى للنظام قراراً إدارياً رقم 184 بتعيين اللواء رفعت أسد آمرًا عرفيًّا لمناطق دمشق وحماة وحلب، وسميت حماة منطقة عمليات أولى خاضعة لأوامر الحاكم العرفي، وانتقل 12 ألف عنصر من سرايا الدفاع إلى حماة بتفويض كامل للقتل العشوائي.

بدأ اقتحام مدينة حماة بعد منتصف الليل من ثاني أيام شهر شباط لعام 1982م، إذ قامت مجموعات من الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع والمخابرات العسكرية بتطويق حي البارودية وهكذا استمر القتال بين المتطوعين من أهالي المدينة وتشكيلاتهم المجاهدة التي تكفلت بالدفاع عن المدينة وبين أجهزة الإجرام الأسدية حيًّا حيًّا ، طيلة 28 يومًا قتلت خلالها قوات الأسد أربعين ألفًا من مواطني المدينة، بين رجل وكهل وامرأة وطفل، كانت قوات الأسد تحشر الناس في الدكاكين والبيوت وتطلق النار عليهم بالعشرات، فيما اعتقلت خمسة وسبعين ألف معتقل بقي منهم خمسة عشر ألفًا لا يعرف مصيرهم حتى الآن، كما هدمت وحرقت مئات المنازل وهجرت أكثر من مئة ألف مواطن، إلى جانب إزالة 88 مسجدًا وثلاث كنائس ومناطق أثرية وتاريخية نتيجة القصف المدفعي.

 

 

--------------------------------------------------------------------


[1]مركز الشرق العربي (مذبحة جسر الشغور – خالد الأحمد).

[2]اللجنة السورية لحقوق الإنسان.

[3]كتاب (حماة مأساة العصر).

[4]المرجع السابق.

[5]المرجع السابق.

[6]المرجع السابق.

[7]المرجع السابق.

[8]كتاب (حماة مأساة العصر)، جريدة الإندبندت، اللجنة السورية لحقوق الإنسان.