الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ الموافق 19 مارس 2024 م
شخصية المسلم مع أقربائه وذوي رحمه كما يصوغها الكتاب والسنة
الثلاثاء 1 شعبان 1439 هـ الموافق 17 أبريل 2018 م
عدد الزيارات : 17818

 

شخصية المسلم مع أقربائه وذوي رحمه كما يصوغها الكتاب والسنة

 

الأرحام هم قرابة الإنسان، سواء كانوا يرثونه أم لا، وللرحم في الإسلام مكانة عالية، بيّنها الحديث الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاك لَكِ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
فقد احتفى الإٍسلام بالرحم حفاوة ما عرفتها الإنسانية في غيره من الأديان، فأوصى بها، ورغّب في صلتها وتوعّد من قطعها «من وصلكِ وصلتُه، ومن قطعكِ قطعتُه» وحسب الرحم أهمية أن الله أمر بصلتها في آيات بعد الإيمان بالله وبر الوالدين: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى}.
وهدد قاطع الرحم بحرمانه من دخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخلُ الجنةَ قاطعُ رحِم».
فكان للمسلمين مع الأرحام نتيجةً لأمر الله بها شأن عظيم، يتجلى في الأمور الآتية:
المسلم يصل رحمه حسب هدي الإسلام: فلا تلهيه الدنيا ولا ما فيها عن تفقد ذوي رحمه وقرابته وبرهم وإكرامهم بجميع أنواع البر والإكرام.
والإسلام نظم هذه الصلة فجعلها متسلسلة حسب القُرب، الأم ثم الأب، ثم الأقرب فالأقرب، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أحق الناس بحُسن الصحبة؟ فقال: «أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك».
وللمسلم في بِرِّه لذوي قرابته أجران، أجر الصدقة وأجر الصلة، وهذا يدعو المسلم ليزيد من صلته لقرابته، ويتعاهدهم ليكفيهم حاجاتهم، روى البخاري ومسلم أن زينب زوجة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما طلبت من بلال رضي الله عنه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيجزئ عنها أن تنفق على زوجها –وكان فقيراً- وعلى أيتام في حجرها؟ فسأل بلال، وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، لها أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة».
بل تعدت صلة الأرحام في الإسلام إلى أن شملت غير المسلمين، فالمسلم يصل أرحامه ولو كانوا من غير دينه، طاعة لله تعالى، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ». وهذا متفق مع سماحة الدين وإنسانيته، قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
وتعدت صلة الرحم في الإسلام الزمان، فأوصى بها ولو بعد زمانها عبر القرون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستفتحون مِصر، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً» والمقصود بالرحم أنهم أخوال إبراهيم، ابنِ النبي صلى الله عليه وسلم.
والمسلم يفهم صلة الرحم بمعناها الواسع: فلا تكون الصلة ببذل المال فحسب، بل تكون ببذل المال للفقراء من القرابة، وتكون بالزيارة والتناصح والعون على الخير، وبالكلمة الطيبة والوجه الطَّلْق واللقاء الحسن والابتسامة، وبغير ذلك من أعمال الخير المتنوعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام».
والمسلم يصل رحمه ولو لم يصلوه: فالواصل الذي يبتغي رضا الله لا ينتظر على صلته المكافأة بمثلها، بل يصلهم دوماً ولو لم يصلوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها».
فلا تفوت أيها المسلم هذا الباب من الخير، فإن أجره عظيم، والتفريط فيه قبيح.

 

مقتبس من كتاب: شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة للدكتور محمد علي الهاشمي.